ذات مجلس جمعني بفضيلة قاضي حفر الباطن الشيخ علي السحيباني رحمه الله قبل أربعين عاماً، حينها كنا نؤدي الجانب التطبيقي للتخرج في المحاكم الشرعية، يومها قمت بتسجيل إحدى حالات الطلاق مع ضمانة الإنفاق عليها من قبل الزوج، هنا ثارت وانتفضت المرأة بصوت عال هو أصلاً ما أنفق وأنا على ذمته، واليوم كيف سينفق على أسرته، فهدأ القاضي من روعها، وقال القضاء سيضمن لك ذلك، هنا قلت لفضيلة القاضي لم لا يوضع تحت تصرفكم صندوق النفقة وفك الإعسار وبيت المال والأوقاف وبراءة الذمة؟
فقال - رحمه الله - سيأتي اليوم الذي يكون ذلك، لكن الآن غير ممكن! ومضى أربعون عاماً، وفعلاً جاء اليوم الذي بدأنا نسمع فيه بيت المال وصندوق القُصّر وبراءة الذمة، وتوّج اليوم بصندوق النفقة مرتبطة بوزير العدل وفق الشروط والضوابط التي أقرها مجلس الوزراء، وبالمناسبة فصندوق النفقة هو صندوق مالي ذو شخصية اعتبارية مستقلة يرتبط بوزير العدل، تصرف منه النفقة لمن صدر له حكم قضائي باستحقاقها ولم ينفذ لغير عذر الإعسار أو قضيته منظورة أمام المحكمة، وكذلك أقر المجلس صرف النفقة المؤقتة للمستفيد قبل صدور حكم بالنفقة، والذي يعيش في أروقه المحاكم يلحظ هذه المشاهد المؤلمة وحكايات المجالس التي تنقل صوراً مما تعيشه الأسر بعد وقوع الطلاق والتعليق ومَسَائل الحضانة والإنفاق عليها، وحجر الأموال تحت رعاية القاضي لمن هم قُصّر أو من لديه أوقاف لا يُعرف ناظُرها، هنا يجب تدخل القضاء والمحافظة عليه، وكذلك المحافظة على بيت المال والحرص على تنفيذ الوصايا المتعلقة بأمْوال قاصري التصرف، كل هذا جاء مع برنامج وزارة العدل التحولي لعام 2020، والذي ينقلنا إلى الرؤية واكتمالها 2030 بعددٍ من المبادرات، وتحول المنظومة العدلية إلى حركة لم تعد مقصورة على صكوك العقار والبيع والشراء، وهذا ما أكده صدور مثل هذه الصناديق والأنظمة التي تسهم بكل جدية في تحول المجتمع إلى روح التكافل الاجتماعي تحت عناية الدولة وتحقيق مفهوم التطور القضائي ضمن برنامج الملك عبدالله لتطوير مرفق القضاء، الذي نقل القضاء والعدل في المملكة إلى درجه تنوّعت معه الحلول العاجلة لمشاكل القضاء والعدل، وما تنوع المحاكم إلى جزائية ومحاكم الأحوال الشخصية ومحاكم التنفيذ، إلا ثمار هذا التنوع والنشاط الذي يقوده معالي وزير العدل د. وليد الصمعاني وزمَلاؤه في ظل متابعة من خادم الحرمين الشريفين وسمو نائبه الأمير محمد بن سلمان، الذي تم في عهده مثل هذا الإنجاز العدلي وهو صندوق النفقة، ولطالما نشَطت المنظمات الحقوقية والدفاع عن الإنسان وخاصة المرأة حتى أصبحنا نفرْحُ كل يوم بمنجز جديد تسعد به الأسرة السعودية التي حرص المسؤولون على تطبيق المبدأ النبوي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمُىّ، بهذه الصورة تسْتبشر المطلقة والمرأة الأرملة، وصاحب الوقف، وكل من له حق، بأن القضاء الشرعي هو كفيله، وأن ميدان العدل هو ضمان لكل من ظُلم، وشكراً لبرنامج التحول ومبادراته التي يقودها الأمير محمد بن سلمان وفريق التنمية والاقتصاد، وهو المجلس الأسبوعي الشَّفاف الذي يناقش قضايا الوطن، بمرآة صادقة وواضحة تعكس حرص الدولة على إسعاد مواطنيها ووداعاً لمظالم المرأة والإنسان بمجهر العدل والقضاء السعودي.