مناطق الجنوب جميعها تقريبا تشكل أرضية خصبة للاستثمارات السياحية، ليس بسب اعتدال مناخها صيفا، وإنما أيضا للتباين الجغرافي، وتنوع التضاريس، من جبال وأودية إلى شواطئ بحرية وكثبان رملية، وثراء الموروث الشعبي والآثار التاريخية التي تمثل جذبا سياحيا عاليا، في حال تم استغلال هذا الإرث ليكون مزارا يسهل الوصول إليه، وأيضا توافرت حوله مرافق حيوية تعين السائح في عملية التنقل والجلوس، وحتى التسوق والأكل وما سواه من أنشطة ترافق جولات السائحين، وتغريهم على قصد هذه الأماكن للمشاهدة والاستمتاع دون ضجر أو ملل من انعدام مثل هذه الخدمات البسيطة التي نجدها متوافرة في جميع المواقع والمزارات السياحة في بلدان العالم، والتي تتعامل مع موضوع السياحة كاستثمار اقتصادي يحقق عوائد مادية كبيرة جدا، بل اقتصاد بعضها قائم على عوائد السياحة.
ومنطقة نجران تعد من مناطق الجنوب الغنية بالمواقع السياحية، وتتميز بعمقين: تاريخي وتراثي، يتمثلان في مواقعها الأثرية وأسواقها الشعبية ومبانيها الطينية ذات الطراز المعماري الفريد، غير أن كل هذا الثراء لم يغر رجال الأعمال فيها لإقامة مشاريع سياحية تخدم المواطن والزائر، وتكون متنفسا للسكان الذين لا يجدون أماكن مناسبة تكون رافد للمواقع السياحية الطبيعية، والتي توجد بمحاذاة الأودية والشعاب المرتفعة عن المدينة، والمهيأة حسب تضاريسها لأن تصبح قرى سياحية رائعة في حال استغلت من المستثمرين، لأنها حاليا في ظل عدم توافر أيّ من المشاريع السياحية تشهد ازدحاما ووجودا مكثفا للباحثين عن الأجواء الباردة والتكوينات الطبيعية لقضاء أوقاتهم.
بعض رجال الأعمال لم يع حتى الآن التطور الحاصل في ذائقة الناس، ولا حتى التطور والتنامي السكاني في المنطقة، والذي زادت معه احتياجات المواطنين إلى وجود أسواق تجارية ضخمة ومراكز ترفيه، تغنيهم عن السفر إلى المناطق القريبة لمجرد التسوق والتنزه، ومن كسر القاعدة واستثمر منهم فتركيزه انصب على المشاريع التي تحقق عوائد ربحية سريعة، وهذا ما يحد من نوعية المشروع، وحتى الطاقة الاستيعابية.
لذلك، تنتشر مراكز التسوق والترفيه الصغيرة والضيقة التي لا تستوعب الكثافة العددية لمرتاديها، وهذا الأمر يكون بمثابة الأمان من الخسارة، والتي يتصورها بناء على فكرة ترفض التغيير أو استشعار المسؤولية في الإسهام بدفع عجلة التطور بالمنطقة عن طريق طرح الاستثمارات الجريئة التي -ولا شك في ذلك- ستحقق نجاحات كبيرة يحكمها افتقار المنطقة إلى هذه المشاريع، ولهفة السكان لوجودها.
والمتابع لحركة النمو الاقتصادي السعودي، يلمس التوجه الجاد في مسألة الاستثمارات السياحية التي ركز عليها في رؤية المملكة 3020، ليبقى دور رجال الأعمال في الإسهام -ولو بالقليل- في سبيل تحقيق هذا الهدف الذي سيصب في مصلحتهم قبل غيرهم.