أحمد القرني



حين بدأت هيئة الترفيه بنشر الدعوات للحفلات الغنائية في أرجاء المملكة، لم تحقق هذه المبادرة عوائد ملموسة، لا من حيث النواحي الاقتصادية ولا الاجتماعية، بل أُلغي بعضها بسبب سوء التنظيم واعتذار المطربين، كما حدث في مدينة أبها بدايات الشهر الماضي. في هذا المقال، أود أن أطرح ثمانية أسباب لتبيان أهمية البدء في دور السينما قبل الحفلات الغنائية، مما يجعل تأخيرها وتقديم الحفلات الغنائية عليها قرارا غير دقيق من هيئة الترفيه، ليس له ما يدعمه ويبرره.



وعي الشعوب



تمتاز دور السينما بأنها تسهم في بناء وعي الشعوب عبر سلسلة من الأفلام التوعوية، بتعريفه على الثقافات العالمية، وتجسير الهوة القائمة بينه وبين الآخر، مما يسرّع من تغيير المجتمع نحو الأفضل، فيما لا يُعرف للحفلات الغنائية أي دور في بناء الوعي فهي للتسلية أكثر من التثقيف، بحيث يخرج الشاب من الحفلة كما دخل فيها.

غلاء التذاكر





اشتكى كثير من الناس من غلاء تذاكر الحفلات الغنائية، فقد كانت بأسعار خيالية وغير متوقعة، مما ثبّط الناس عن حضورها ودَعْمها إعلاميا، فيما تظل تذاكر السينما أرخص بكثير وفي متناول أيدي الناس على اختلاف شرائحهم وطبقاتهم.



عوائد اقتصادية



 من المعروف أن عوائد دور السينما الاقتصادية أعلى من عوائد الحفلات الغنائية، بسبب أعداد تذاكرها الضخمة، وبسبب سهولة بناء الدور وتعددها في أرجاء المملكة، فالدار الواحدة قد تَعْقِد عدة حلقات سينمائية طوال أيام السنة، ويمكن أن يتم ذلك يوميا وفي كل الأوقات «صباحا، ظهرا، ليلا»، بينما الأرباح العائدة من الحفلات الغنائية لا ترقى إلى المأمول بسبب تذاكرها المحدودة، ومن حيث تطلُّبها قاعات كبرى خاصة لإقامة الحفلات، ومن حيث أنها تعقد موسميا لمرة أو مرتين فقط في السنة، وفي فترات الليل فحسب.



أجواء هادئة



تمتاز دور السينما بأنها تَسَع جميع شرائح المجتمع على اختلاف مشاربهم، فهي ذات جو عائلي «للأطفال والشباب والكبار وغيرهم»، وتتسم بأجواء هادئة تتطلب صمت الحضور لمشاهدة العروض السينمائية، فيما تقتصر الحفلات الغنائية على شريحة واحدة كبرى، هي شريحة الشباب العزاب، وهي شريحة مزعجة لا تلتزم الهدوء، بل تتسبب في موجات صخب عارمة يتضايق منه عامة الناس.



محتوى متنوع



تمتاز دور السينما بمحتوى متنوع بتنوع الممثلين والأفلام بين كوميديا وتراجيديا... إلخ، الأمر الذي يقلل من احتمالات السأم والرتابة بسبب تجدد الإنتاجات فيها، كما يجعل فرصة الإقبال عليها أوسع لاتساع محتواها ومضمونها، فيما تقتصر الحفلات الغنائية على مضمون موحد ومكرر، وقد يحتكر الليلة مطرب واحد قديم غير مُجدد في محتوى أغانيه، وقد لا يرغبه الجمهور أصلا.



فرص وظيفية



تفتح دور السينما فرصا وظيفية ضخمة للشباب العاطل بين مراقبين ومسجلين وبائعي تذاكر، فبعدد توافر هذه الدور في أرجاء المملكة بعدد احتواء هذه الطاقات العاملة، كما تسد أوقات الفراغ لدى الشباب بتشجيعه على الإبداع والإنتاج السينمائي، ثم المنافسة المحلية والعالمية على السواء، فيما تظل الحفلات الغنائية احتكارية على المطربين القدامى والمشاهير، ولا تستطيع -بطبيعتها الاحتكارية- أن تقدم المطرب السعودي الموهوب للناس، بسبب رغبة الجماهير في المطرب المشهور عن غيره.



سهولة الإعداد



 تمتاز دور السينما بأنها سهلة التحضير والتنسيق والإعداد في ترتيب الأفلام وعرضها، وفي كونها شبيهة بمراكز التسوق والمرافق العامة، فلا تشكل تظاهرة طبقية خاصة، كما لا تتطلب زيّا رسميا فهي نشاط أسري متواضع، فيما تشترط الحفلات تنسيقات خاصة مع المطربين، وقد يعتذر المطرب عن إحيائها، فتُلغَى عوائدها الاقتصادية، كما تتطلب أزياء ورسميات خاصة قد تنفّر الناس عن حضورها، فهي ممارسة طبقية تفصل مقاعد الحضور وتمايز بينهم بحسب قيمة التذاكر، فالشخصيات العامة يُقدَّمون والعوامّ يُؤخَّرون.



لا إشكالات أمنية



 تستنفر الحفلات الغنائية رجال الأمن بسبب الازدحامات المتوقعة في مكان مكتظ واحد، لا سيما أن الشريحة هي الشباب المعروف بطيشه ونزقه، فيما لا تتسب دور السينما في إشكالات أمنية أو ازدحادمات، خاصة بسبب دوام إقامتها فهي كالخدمات العامة من مطاعم ومتاجر... إلخ، فهي نشاط يومي معتاد لا يتطلب استنفارا خاصا به عن غيره.