انطلاقاً من مستهدفات برنامج التحول الوطني في تحقيق رؤية المملكة 2030، وإدراكاً للتحديات التي تواجه الجهات الحكومية القائمة على القطاعات الاقتصادية والتنموية، والمبنية على مستهدفات محددة وخطط تفصيلية لكل قطاع وما يرتبط به من مبادرات وإجراءات لتحقيق هذه الأهداف مرحلياً وبشكل سنوي، كما تم توثيقه في متن الوثيقة الرسمية لبرنامج التحول الوطني، وبالاعتماد على مؤشرات مرحلية لقياس الأداء ومتابعته في آلية تنفيذه لضبطه، بما يترجم أهدافنا الاستراتيجية إلى واقع تنموي نعيشه؛ فإن الهدف الاستراتيجي الثامن الخاص بوزارة العمل تضمن «توفير فرص عمل لائقة للمواطنين»، والذي تضمن في أهدافه التفصيلية «تمكين المرأة واستثمار طاقاتها»، والذي يتم قياسه وغيره من الأهداف من خلال عدد من المؤشرات وهي:

-عدد فرص العمل الإضافية اللائقة المتاحة للسعوديين في القطاع الخاص (للنساء والرجال).

-معدل البطالة للسعوديين.

-معدل تكلفة توظيف السعوديين مقارنة بالوافدين.

-نسبة القوة العاملة النسائية.

 وعليه فإنه من خلال الإحصائيات والبيانات المتاحة يمكننا الوقوف على مدى مواءمة بعض سياسات وزارة العمل ومبادراتها مع فحوى مضمون برنامج التحول الوطني، فيما يتعلق بتمكين المرأة على وجه الخصوص وذلك وفق تلك المؤشرات لتقييم مدى جدوى وفاعلية سياساتها وإجراءاتها، وهل يمكن من خلالها تحقيق تمكين المرأة فعلياً بما يترجم برنامج التحول الوطني إلى واقع تنموي ملموس، وتغيير بناء لواقع مساهمة المرأة في قوة العمل ومشاركتها المنتجة في مسيرة التنمية المأمولة أم إننا لا زلنا نحوم حول نفس الدائرة التقليدية لعمل المرأة التي فرضتها قوانين وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية، المبنية على النظام العام لطبيعة الهيكل البشري المكون لقطاعات الدولة وموارده البشرية؟

 تشير الهيئة العامة للإحصاء في بياناتها المفصلة لمسح القوى العاملة في الربع الأخير من العام 2016، إلى إن إجمالي القوة العاملة من المشتغلين السعوديين لا يتعدى في نسبته (21,95 %) من إجمالي القوى العاملة في الدولة، وذلك بعدد (3,061.397) ملايين مواطن، في حين ترتفع تلك النسبة عند غير السعوديين إلى (78%)، وذلك بعدد (10.883.335) ملايين غير مواطن. ومن جهة أخرى فإن معدل البطالة العام يسجل (5,6%) وذلك يشمل (سعودي+ غير سعودي)، في حين تسجل البطالة للسعوديين (12.3 %) والتي ارتفعت إلى (12.7%) في 2017، أما بطالة السعوديين النوعية فإنها كما تشير البيانات بلغت (5.9 %) للذكور، و(34.5 %) للإناث، وذلك في حين يوجد (177.573) سعوديا باحثا عن عمل، و(739.990) سعودية باحثة عن عمل.

 أما مساهمة المرأة في سوق العمل الوطني فإنها تنخفض إلى (7.30 %) فقط من جملة المشتغلين، وذلك في الربع الرابع من العام 2016، وذلك مقابل (6.75 %) في الربع الثالث من العام نفسه بناء على بيانات الإحصاء الرسمية، بما يشير إلى عدم نمو فعلي في التوظيف، ويمثل من تلك النسبة (46.51 %) ممن يشتغلن تحت مظلة الخدمة المدنية، و(53.48 %) تحت نظام التأمينات الاجتماعية، وذلك في الربع الأخير من العام 2016، وذلك مع الأخذ في الاعتبار نوعية الوظائف التي تسند إليهن.

 وعلى الرغم من ذلك الانخفاض الشديد في نسبة مشاركة المرأة المواطنة في سوق العمل الوطني سواء في القطاع العام أو الخاص، وبما لا يتناسب مع مستهدفات برنامج التحول الوطني ورؤية 2030 في تمكين المرأة الذي نناقشه هنا، فإنه مما يزيد من التراجع والإخفاق فهو ضعف السياسات وعدم مواءمتها لمستهدفات برنامج التحول الوطني، والتي منها محدودية فرص العمل المتاحة للمرأة على الرغم مما أشار إليه الهدف الاستراتيجي الأساس، وهو «توفير فرص عمل لائقة للمواطنين»، والذي تضمن في هدفه التفصيلي تمكين المرأة واستثمار طاقاتها.

 وبالإشارة إلى التصريحات المنسوبة لوزارة العمل حول البدء في تطبيق المرحلة الثالثة من تأنيث محال بيع المستلزمات النسائية وتوطينها، وذلك مع غُرة صفر المقبل لزيادة فرص عمل المرأة، فإن التساؤل المطروح على وزارة العمل ووزارة الخدمة المدنية كذلك، إلى متى يتم تهميش المرأة في سوق العمل الوطني الفاعل؟ وهل اقتصر تعليم المرأة السعودية وتخصصها وتأهيلها لتمكينها في القطاع العام على التعليم والطبابة والتمريض فقط؟ وهل انحصر دورها في القطاع الخاص على العمل كبائعة أو كاشير أو موظفة إدارية لتسيير الأعمال البسيطة في بعض الجهات الخاصة؟ وهل هذا هو العمل اللائق بالمرأة المواطنة في القطاع الخاص؟ وذلك ليس انتقاصاً من طبيعة العمل فجميع الأعمال تستطيع أن تؤديها المرأة وهي أهل لذلك، ولكن على الرغم من إثبات المرأة لجدارتها وتميزها علمياً وأهليتها في إدارة وقيادة بعض المناصب المحدودة التي كُلفت بها، فإنها لا زالت تعتبر خارج كادر الأعمال الأساسية الفاعلة والقيادية في مختلف القطاعات سواء العام أو الخاص، والاستفسار الُملٍح إلى متى تظل المواطنة مهمشة من كافة القطاعات الحكومية الموجودة في الدولة؟ لماذا لا نجد المرأة المواطنة في جميع الوزارات والقطاعات والهيئات الرسمية لتساهم وتشارك في صنع القرار؟ فهي حتى وإن وُجدت فإنها تكون مهمشة وفي ظروف وبيئة عمل منعزلة تماماً عن مجريات العمل الأساسي في إدارته وصناعته؟ ألم تهتم القيادة بتعليم المرأة وابتعاثها لتأهيلها وتمكينها للمساهمة في مسيرة التنمية والمشاركة في عملية البناء؟ ألم تتخصص المرأة في شتى المجالات المتاحة في جامعاتنا والجامعات الدولية التي ابتعثت لها؟ لماذا لا تتاح لها كافة فرص العمل المتاحة لشريكها الرجل؟ أليس في ذلك هدر لمواردنا المالية التي أنفقناها على تعليم المرأة وهدر لمواردنا البشرية في تضييق فرص العمل المتاحة للمرأة؟ أليس بمشاركة المرأة الفاعلة في كافة القطاعات يمكننا تجاوز الكثير من تحديات البطالة المرتفعة عند النساء؟ أليس بذلك يمكننا توفير أيد عاملة وطنية مضافة لسوق العمل الوطني تزيد من نسبة المواطنين المؤهلين للعمل في كافة القطاعات؟ ألا يكون في ذلك معالجة للتحديات المختلفة التي تواجهنا في سوق العمل ومنها ارتفاع نسبة العمالة الوافدة؟ ألا يُعد ذلك هضما لمستحقات المرأة المواطنة في التوظيف؟ بل وهل بتلك السياسات والمبادرات المتواضعة في نوعها ومضمونها لتمكين المرأة، يمكننا أن نحقق أهداف برنامج التحول الوطني ورؤية 2030؟

يحتاج تمكين المرأة إلى تعاون ودعم مجتمعي ورسمي من خلال تيسير كافة سُبل وآليات عمل المرأة في كافة القطاعات والمجالات، وذلك يشمل مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني والإعلام، ومثقفي المجتمع وما يتطلبه ذلك من التوعية المجتمعية بنشر ثقافة قبول عمل المرأة في المجالات المختلفة، واحترام التعامل معها وتقديرها بما هي أهلُ له؛ هذا بالإضافة إلى ما يتطلبه ذلك من تحديث، وإضافة لتنظيمات وقوانين وتشريعات ذات صلة، تتعلق بتطوير البنية الأساسية المكونة للهيكل المؤسسي للدولة سواء في نظامه الإداري والتنفيذي أو في موارده البشرية، بما يستهدف دعم وجود المرأة ومساهمتها في مختلف القطاعات العامة والخاصة، وبما يتيح لها كذلك تقلد المناصب القيادية والإدارية العليا التي تسمح لها بالمشاركة في صناعة القرار وصياغة التشريعات العامة والقوانين المنفذة، بما يجعلها حاضرة ومشاركة فعليا في مسيرة التنمية بناء وانتاجا.