لا شك أنه قرار تاريخي، ذلك الذي وقّعه نائب الملك الأمير محمد بن سلمان -حفظه الله- بإقرار صندوق النفقة، لتتولى الدولة الإنفاق على المطلقات وأبنائهن مُقدَّما على أن تحصله الدولة من المطلقين والآباء فيما بعد.

إن هذا الحدث الإنساني والحقوقي العظيم يذكرني بمعركة حقوقية أخرى، في ما يعنى بالنفقة والمنطق وحقوق المرأة المسلمة وعدالة القادة العظماء. وربما من المناسب ذكرها للجامع بين الحدثين.

أبطال الحادثة القديمة في عهد عمر بن الخطاب هم: السيدة عائشة، وعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- من جهة، وفاطمة بنت قيس، وبعض الرجال والصحابة -رضوان الله عليهم جميعا- من جهة أخرى.

تقول الكتب، إن فاطمة بنت قيس كانت تزوجت عدة مرات، وطُلقت في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وأهم طلاق في حياتها، عندما طلقها رجل ثلاث مرات، فذهبت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- حسب كلامها، وسألته هل لها نفقة وسكنى فنفى ذلك، وصارت فاطمة كلما سألها أحد قالت له: لم يجعل لي رسول الله لا نفقة ولا سكنى، لكن عائشة رضي الله عنها رفضت ما قالته فاطمة لأسباب عدة، أهمها: أنه يخالف القرآن، فالله تعالى يقول: «لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ»، بمعنى تبقى في بيتها حتى تنتهي عدتها إلا إذا ارتكبت الفاحشة، فمن الظلم أن نجبره على الإنفاق على امرأة كهذه، وأيضا لأنه من غير المنطقي أن تحبس امرأة عن الزواج وإيجاد رجل ينفق عليها، ثم تتركها في الشارع بلا مال ولا سكن، لذا عندما أخبرت الحميراء بما قالته فاطمة، قالت عبارة شهيرة جدا، أتمنى شخصيا لو تقال لكل امرأة تتخذ موقفا يؤدي إلى ظلم امرأة أخرى أو قبيلة من النساء، أو مجتمع أو نساء العالم الإسلامي كله.

تقول عائشة: «أما إنه لا خير لها في ذلك»، غضبُ عائشة ورفضُها إخراج النساء من بيوتهن بعد الطلاق ثلاث مرات، لهما أسبابهما المنطقية والعقلانية المعتبرة، وهي لم تُكذّب فاطمة بنت قيس، لكن أن لا يسمع أحد هذا الحديث غيرها! فذلك يجرّ إلى مبررات أخرى تمنع تعميمه، فلعل طليقها كان يعيش في منطقة خالية من البشر، فيخشى عليها منه، أو كان فقيرا جدا وهي غنية، وغير ذلك.

لكن الرجال فرحوا بحديث فاطمة، وضمنوا أنه لا يلزمهم نفقة ولا سكنى ما دام طلقها ثلاثا، لكن عمر بن الخطاب الخليفة العادل، وقف بحزم أمام ذلك وقال كلمته الفيصل في هذه المسألة بقوله: «لا ندع ديننا لامرأة، لعلها ذكرت أو نسيت»، وأمر بأن تحصل المطلقة ثلاثا على النفقة والسكنى.

هذه الحادثة تشبه هذا القرار العظيم، والذي يثبت أن الفقه الإسلامي صالح لكل زمان ومكان، ومتطور وقادر على سد كل مكامن الشر والظلم التي تعانيها المرأة المسلمة.

فتشريع مثل هذا جدير أن يُحتفى به، ويُحتفى بموقّعه نائب خادم الحرمين، وكل من عملوا لإصداره، بدءا من جمعية مودة الرياض، ووزارة العدل، وعضو مجلس الشورى الدكتورة والإدارية حنان الأحمدي التي تمثل أنموذجا للسيدة السعودية التي تعمل لقضايا نساء بلادها في صمت وهدوء وذكاء، أنتج مبادرة عظيمة ستساعد النساء المطلقات على تحصيل حق من حقوقهن التي منحها لهن هذا الدين، وجعلتها حكومتهن واقعا حقيقيا.