نشر مغردون على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» صوراً ومقاطع فيديو لكنيسة تاريخية موجودة في محافظة الجبيل بالمنطقة الشرقية، يقال إنه تم اكتشافها في عام 1986، ويعتقد أنها تتبع للمذهب النسطوري الذي انتشر في القرن الرابع الميلادي.

وكغيري من الناس، تفاجأت بوجود هذه الكنيسة التاريخية، وحتى سكان المنطقة لا يعلمون عنها شيئاً، بالإضافة إلى أن الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني لم تعلق على هذا الموضوع رغم أهميته التاريخية، كما يتضح من خلال الصور المتدوالة عدم الاهتمام بالموقع وإمكانية الدخول إليه دون وجود حراسات أمنية، ولا توجد أية لوحات تعريفية حول الموقع، بالإضافة إلى أنه تم العبث بالصور والنقوش والأشكال المنحوتة على جدران الكنيسة، والأدهى والأمر من ذلك هو تعليقات المشاهدين والزائرين للكنيسة والتي قد توضح الأسباب التي تقف وراء عدم الاهتمام بها.

ومن أبرز تلك التعليقات قول أحدهم إن الهدف من انتشار مثل هذا المقاطع يخدم أعداء الإسلام وأطماعهم في المملكة، من خلال التركيز على الآثار المسيحية، وأما الغالبية فقد تركزت تعليقاتهم في أنه لا يجوز إبراز مظاهر الشرك بالله، وأنه لا يجتمع دينان في جزيرة العرب، ناهيك عن تأكيد المصورين للمقطع أن المذهب النسطوري مذهب توحيدي مختلف عن العقيدة المسيحية السائدة، وذلك كتبرير لجواز زيارة الكنيسة!.

وبناءً على ما سبق، يمكن القول بأن علاقة المجتمع بالآثار التاريخية علاقة ضعيفة بشكل عام، وذلك لعدة أسباب بعضها اجتماعية ودينية وسياسية، فمن الأسباب الاجتماعية ما ذكره ابن خلدون في مقدمته عن العرب بسبب اعتيادهم على الشظف وخشونة العيش، «فالحجر مثلا أنما حاجتهم إليه لنصبه أثافي القدر، فينقلونه من المباني ويخربونها عليه ويعدونه لذلك، والخشب أيضا أنما حاجتهم إليه ليعمروا به خيامهم ويتخذوا الأوتاد منه لبيوتهم، فيخربون السقف عليه لذلك فصارت طبيعة وجودهم منافية للبناء»، وهذا ما حصل بالفعل في إحدى قرى منطقة الرياض عندما قام البعض بتكسير أحجار مبنى أثري لبيعه كمواد للبناء.

وعلى هذا الأساس، يرى البعض عدم جواز دراسة علم الآثار، لأنها في نظرهم تعمل على زعْزعة عقيدة المسلم تجاه الثَّوابت الشَّرعية كالولاء والبراء، فضلاً عن التشكيك في التاريخ الإسلامي، كما أنه لا يجوز زيارة المواقع الأثرية للسياحة وإنما تكون للعبرة والاتعاظ من خلال تذكر عقوبة الأُمَم المكذبة التي طغتْ في الأرض وتجبَّرت على الخلق، وادَّعَوا القوَّة والخلود، فما كان إلاَّ أن جعلهم الله -تعالى- عبرة، وشرَّد بهم مَن خلفهم لعلَّهم يذكَّرون، والمفاسد التي ستنشأ عن الاعتناء بالآثار وإحيائها محققة ولا يحصي كميتها وأنواعها وغاياتها إلا الله سبحانه، فوجب «منع إحيائها وسد الذرائع إلى ذلك، ومعلوم أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، رضي الله عنهم أعلم الناس بدين الله، وأحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وأكملهم نصحاً لله ولعباده، ولم يحيوا هذه الآثار، ولم يعظموها، ولم يدعوا إلى إحيائها»!.

ومما سبق، يتضح عدم اهتمام المجتمع بشكل عام بالآثار والمواقع التاريخية، وأصبح  لا يتعدى سوى الاهتمام ببيوت الطين والأواني المنزلية والتي كانت تستخدم إلى عهد قريب، رغم أن المملكة تزخر بالآثار التاريخية القديمة منذ آلاف السنين، ولو تم استثمار ذلك لفتحت مورداً اقتصادياً لا يستهان به ناهيك عن القيمة المعرفية لدراسة التاريخ عموماً.

لماذا لا يتم إنشاء متاحف مثل المتاحف العالمية يشرف عليها مختصون في التاريخ والآثار وتكون مركزا للدراسات التاريخية؟ ولماذا لا يتم ترميم المواقع الأثرية وتجيهزها بالمرافق مثل المكتبات والمتاحف والخدمات مثل المطاعم والمحلات التسويقية التذكارية بالإضافة إلى الحراسات الأمنية؟... فمتى نهتم بالتاريخ والآثار؟