لا يمكن لمن يتابع التطورات المتسارعة في المنطقة العربية، إلا أن يشعر باقتراب تغيير قواعد اللعبة مع إيران وحلفائها وميليشياتها.
فزيارة مقتدى الصدر المملكةَ العربية السعودية، وبعدها المظاهرات الضخمة التي خرجت في مدن العراق، ومطالب الصدر بحصر السلاح في يد الدولة بالعراق، وإبعاد إيران وميليشياتها عن معظم المناطق التي سيطروا عليها في سورية، إضافة إلى العقوبات التي يتم التحضير لها في الولايات المتحدة الأميركية، كلها تشير إلى أن الهدف القادم للمجتمع العربي والدولي، هو ميليشيا حزب الله التي سعت خلال السنوات الأخيرة إلى فرض سيطرتها بشكل كامل على الدولة اللبنانية ومؤسساتها، إضافة إلى قراراتها السياسية والعسكرية وحتى الاقتصادية.
لم يكن كلام وزير الداخلية اللبناني نهاد المشنوق قبل أيام في لقاء تلفزيوني معه، عن مخاوف من اقتراب فرض عقوبات وحصار اقتصادي وسياسي على لبنان، بسبب سياسات وتصرفات حزب الله، محض صدفة أو كلاما عاما، بل كان بناء على معلومات ورسائل نقلها دبلوماسيون وسياسيون غربيون وعرب، أكدوا أنه لا يمكن السكوت بعد اليوم عن تدخل الحزب عسكريا في سورية، أو علاقته بخلية حزب الله في الكويت، أو تحريضه المستمر على السعودية والبحرين ونظاميهما هناك، وتدخله في الحرب اليمنية.
إضافة إلى ذلك، حصلنا قبل أيام على معلومات من مصدر مقرب من النظام السوري، يؤكد أن حزب الله بات يسيطر على تصدير واستيراد المنتجات الزراعية على حساب الدولة اللبنانية، بعد أن عمل لسنوات على تحقيق ذلك بالتعاون مع النظام السوري الذي أغلق عدة معابر مع لبنان بالاتفاق مع التنظيم الإرهابي، فتبقى العمليات تدار منه هناك، ويفرض شروطه على المزارعين ويبيع المحاصيل، ويقوم بتصديرها، وتتم معظم هذه العمليات مع المزارعين المقربين والداعمين للحزب.
وبحسب المصدر، فإن هذه العمليات تتم اليوم دون علم وزير الزراعة اللبناني غازي زعيتر والمحسوب على حركة أمل الشيعية، ودون علم الحكومة اللبنانية مجتمعة، فيما يعدّ تهربا من الضرائب واستغلالا للأزمة الحالية من الحزب، للحصول على موارد مالية تغطي العجز الذي يعانيه بسبب شح الدعم الإيراني له في السنتين الأخيرتين.
يوضح المصدر أيضا أن حزب الله يتبع إستراتيجية تستغل المؤسسات الحكومية والمطار والميناء، واليوم الحدود البرية، فيما يعدّ خطوة باتجاه السيطرة الكاملة على الدولة اللبنانية ومقدراتها ومصادر نموها الاقتصادي، وما تصديره للمنتجات الزراعية من خضار وفواكه كالتفاح والموز والكرز، إلا واحدة من العمليات الكثيرة المخالفة للقوانين التي يقوم الحزب ومقربون منه بالعمل عليها، لزيادة أرباحهم المادية على حساب الدولة والشعب اللبناني.
لقد حان الوقت الذي تفرض فيه دول الخليج العربي حصارا حقيقيا على مصادر تمويل حزب الله، والتيار الوطني الحر، وحركة أمل، والأحزاب التي تسبح في فلك هذا الحزب، وتجمد أرصدتهم التي يتم استخدامها لتمويل عمليات الحزب وزيادة فرض النفوذ في لبنان على حساب النظام هناك، مما يعدّ خطوة باتجاه تحقيق حلم الخميني بالسيطرة على لبنان وغيره من العواصم، وتحويله إلى بؤرة للإرهاب، وإشعال الحروب مع إسرائيل، والتحريض على الدول العربية، وتسهيل إنتاج وبيع وتصدير المخدرات فيه.
لا يمكن القبول أكثر بالوضع الراهن، والذي حوّل فيه حزب الله الدولة اللبنانية إلى أسير يحقق كل رغباته، ويتبع إشاراته ومطالبه، فيوما يستفز إسرائيل فتشن حربا مجنونة عليه دون موافقة الدولة اللبنانية، ويوما يشارك في الحرب السورية قتلا وتدميرا وتهجيرا لسكانها وأهلها، خدمة لنظام مجرم طائفي، ويوما آخر تراه محرضا الإرهابيين في العوامية والبحرين على تنفيذ عمليات إجرامية ضد الأجهزة الأمنية والمدنيين العُزّل، ومؤخرا مشاركته في الحرب اليمنية إلى جانب الحوثي وضد الشرعية، وتشكيله خلية إرهابية في الكويت خزّنت السلاح، وكانت تستعد لتنفيذ عمليات إرهابية ضد الدولة والسفارات الأجنبية والعربية واستهداف أفراد من الأسرة الحاكمة، وتهيئة الظروف لإيران وخلاياها للسيطرة على دولة الكويت.
يعيش الشعب اللبناني حالة اقتصادية مزرية، ولكن لا يمكن الاستمرار في السكوت عن إرهاب وتعنت حزب الله إلى ما لا نهاية، والخطوات التي اتخذت وتم تطبيقها لتفعيل حصار سياسي واقتصادي، ستسهم بشكل كبير في تجفيف منابع تمويل الإرهاب ودعمه ومده بالسلاح، ودفع رواتب مقاتليه الذين -وبحسب معلومات مؤكدة داخل التنظيم- يبدون امتعاضا شديدا بسبب تخفيض الأجور والخدمات المقدمة سابقا، وفي حال زيادة الضغط الاقتصادي على التنظيم سيتخلى عنه كثيرون، ولن يجد من يقاتل في صفوفه تنفيذا لأجندات إيران هنا وهناك وسينهار تلقائيا.
ويقول أحد أبناء مسؤول في الحزب «قتال الشباب وانتسابهم لحزب الله من أجل المال» ويضيف: «أوقفوا المال يتوقف الانتساب والقتال، وينسون المهدي المنتظر وخامنئي»، فنحن كما يقول شعب يريد الحياة لا الموت، ولكن الظروف الاقتصادية تجبر شبابنا على الانتساب إلى حزب الله، مقابل العائد المادي والتأمين الصحي ودعم المتزوجين وضمان نهاية الخدمة.
إذًا، ليس من يقاتل إلى جانب حزب الله في 2017 مؤمنا عقائديا، بل هو باحثٌ عن المال، وقطع المال عن التنظيم سيسهم بشكل كبير في تدمير المشروع، والأهداف التي يعمل على تحقيقها في لبنان والمنطقة، فهل يتحرك أصحاب القرار في العالمين العربي والغربي لتطبيق حصار اقتصادي وسياسي يغيّر المعادلة، ويضع حسن نصرالله في مواجهة مع بيئته التي سترفض العيش دون مردود مادي عن انتسابها للحزب، وخسارتها مئات بل آلاف الأرواح في حروب عبثية هنا وهناك؟.