أزمات الوطن ليست شرا كلها، بل فيها من العبر والدروس للوطن والمواطن وصناع القرار. يوماً بعد يوم تثبت أحداث الوطن المفصلية سمات المواطن الأصيل المحب رغم انتقاداته - حباً وكرامة - لبعض ما يجري في وطنه، والآخر الناقم العميل، ? وبينهما المتأرجح، فإن كان له أو لتوجهه مصلحة فهو مع الوطن، وحين لا يكون له ذلك فهو غير ذلك??، أسوأ هؤلاء?? في كل الأحوال هو الحزبي «الإسلاموي» لأنه يرفع شعار الدين العظيم لأهداف دنيوية.

ليس بدعا من القول حين نقول يوجد من يبيع ذمته ويمارس الخيانة الوطنية، غير أن الصاعقة حين تتضمن القائمة أسماء ثقيلة لها وزنها في المجتمع تكشفها المواقف أو الجهات الرسمية.

 في سلسلة تغريدات حديثة لمعالي الأستاذ سعود القحطاني -المسماة كشف الحساب3- ذكر أنه قد يكشف أسماء [سعوقطريين] تمكنت السلطات القطرية من شرائهم بشكل مباشر أو غير مباشر بالأدلة المثبتة في مشروعها الكبير الذي أنفقت عليه قطر المليارات لشراء الذمم، وفق تغريدات معاليه.

المتأمل في الأحداث، قديمها وحديثها، قد لا يتفاجأ حين تنكشف تلك الأسماء التي تعرض أمانتها وفقاً للعرض والطلب، غير أن سواد المجتمع هو من قد يتفاجأ، وبالتالي، يُصدّقون من بحّت أصواتهم تحذيراً منهم.

من المعلوم أن بعض التيارات المؤدلجة، لا تقيم للوطن أهمية بقدر ما تقيم لميولها الفكرية وأطروحات أحزابها ورموزها ومبادئها الخاصة. بل إن تلك الأحزاب لا تقيم للوطن أهمية بتاتاً لاعتبارات عقدية أصولية. ويصل الأمر ببعضهم إلى أن يرى الوطن معوقاً لمشاريعهم «الأممية» التي لا تعترف بالحدود الجغرافية أصلاً. لذا فقد جعلوها عدواً لكونها تحول بينهم وبين ما تشتهي أنفسهم من الوصول للغاية العابرة للحدود وهي «الحاكمية» أي الخلافة.

 ولأجل تلك الغائية المجرمة قد يقول قائلهم «طز في الوطن» كما سنرى لاحقاً. صحيح أن الأمر قد يبدو عند البعض غريبا أو مبالغا فيه غير أن من عاش طقوس تلك التنظيمات يعرف حقيقة الأمر.

العبارة الشهيرة لسيد قطب والتي نصها «ما الوطن إلا حفنة من تراب عفن»، تلخص علاقة الناس ببلدانهم في

نظر عموم الجماعات الراديكالية مع الفكرة الوطنية. نفس العبارة تبناها، عملياً، جُل أتباع الصحوة ورموزها، وترددت على مسامع الناس بصيغ مختلفة حتى غدت وكأنها من المسلمات، وعلى إثرها ظهرت عبارة «الوثن»

بدلا من الوطن لتنفير الناس من حب أوطانهم ولتصدير مفهوم الأممية كجزء من إرهاصات الخلافة المزعومة.

عبارات أخرى عديدة لا يصح أن يقولها عاقل عن وطنه، تأتي في جوهر سياق الفكر الصحوي عموما وليس الإخوان فحسب، وما كان من انتشار لمقولات الإخوان وأدبياتهم إلا لانتشارهم الواسع ونخبوية كثير من أتباعهم، فضلاً على أن الجماعة هي المفرخة الحقيقية لسائر الجماعات الأخرى المتشددة.

ومن التصريحات أيضا المسيئة للأوطان، ما جاء عن مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان سابقاً، والذي قال: «طز في مصر»، رغم أنه ظهر وزعم أن العبارة لها سياق آخر.

يقول قائلهم أيضا وعبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي «نحن لا نعترف بالوطنية، والوطنية على..........».

الوطن، إنجاز بإرادة وتصميم وأفعال وتضحيات منذ اللبنة الأولى إلى اليوم وإلى الغد، والوطن فوق كل التحزبات والطوائف، أمنه بأيدينا ما سلمنا من الاختراقات داخل أوساطنا ومن بني جلدتنا، خصوصا ممن يكن لهم المجتمع الاحترام والتقدير ويعُد لهم الفضيلة من باب الطيبة وحسن الظن ثم نفجع بأن منهم من غدر بنا وبالوطن لصالح جهات معادية بثمن بخس.

إن المواطنة الحديثة محدودة بحدود جغرافية الوطن الذي ننتمي إليه، وليست بحدود الإيديولوجيات العابرة لحدود الوطن، ورغم هذا المفهوم العصري إلا أنه لا يمكن مصادرة الأحاسيس والمشاعر والتعاطف في الإطار الإنساني العالمي العام، تلك كلها، في نظري، محض حقوق وجدانية وانتماءات إنسانية، اجتماعية، عقدية، بيد أن الشرط الوحيد هو أن يأتي الوطن أولاً، بحيث تكون حدوده وكيانه وتشكله النظامي والقانوني هو جوهر الانتماء الشخصي الذي تندرج تحت مصالحه سائر الانتماءات ذات الأبعاد المشروعة آنفاً.

السؤال هنا، هل المؤدلج الذي ينتمي للوطن - بالهوية- ويعيش على أرضه وينعم بأمنه ورفاهه سيضع الوطن أولاً، إن رأى له موضعاً أصلاً؟

وهل يعي أن وجوده وعدمه مرتبط بالوطن.. هل يعلم أن أول عمل يقوم به القادة المتآمرون -بعد نهاية المهمة- هو إبادة العملاء والخونة الذين قدموا لهم يد العون ضد أوطانهم لأنه لا أمان لهم.

إن الطغاة لا يتورعون عن التخلص من عملائهم كما فعل نابليون بالنمساوي الذي ساعده، معلوماتيا، بالإطاحة ببلده، حيث رمى له صرة دراهم على الأرض ورفض مصافحته.. وقال للحاضرين مقولته الشهيرة:

«مثل الخائن لوطنه.. كمثل السارق من مال أبيه ليطعم اللصوص.. فلا أبوه يسامحه.. و لا اللصوص تشكره».

وسألوا «هتلر» قبل وفاته: من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك..؟ قال أحقرهم الذين ساعدوني على أوطانهم.