أذكر ذلك اليوم جيداً عندما تركتني أستاذة في السنة الأولى في كلية التربية أتحدث عن رأيي في موقف في السيرة النبوية،وكنت وما زلت أحب النظر لمواقفه صلى الله عليه وسلم الحياتية من جهات أخرى ربما لم يقف عندها البعض، لذا استمتعت بالحديث، وأخبرتني لاحقا هي أنها استمتعت كما أخبرتني زميلاتي، ومنهن «زميلتي منى» التي استوقفتني وليس من عادتها استيقاف أحد، وهمست بلهجة المحب العطوف قائلة: أرى فيك خيرا كثيرا، لكن

ألا تظنين أن ارتداء هذه «التي شيرتات» وبلا كم نقص في المروءة، يومها لم أدافع لأني كنت أعلم أن الإسلام والحكم على الرجال وفحص رجال السند جعل أمورا صغيرة مثل الأكل في الأسواق مثلبة، وتكاد تكون نقصا

في عدالة الراوي أو المحدث، وكنت وما زلت أحترم ذلك، أعني التدقيق في صفات الذي يتحدث عن الدين وخلقه وأدبه، والذي فقدناه اليوم حتى إن الداعية قد يأخذ مقابلا على فتواه عيانا بيانا، ونظل نحترمه ونقدره، بل يتلفظ بألفاظ يعلم الله من يقولها ونتقاتل للدفاع عن حقه بتمثيل الإسلام. على كل حال لم أحاول أن أعترض على «منى» بأنني ليست من تظنها وأنني لا أطمع في أي مكانة من خلال الدين، وأنني لا أستطيع غش نفسي فأنا كائن يظن أن يديه كانتا يوما أجنحة، لذا من المؤلم تغطيتهما مع ثقتي التامة أنهما لا تشكلان في مجتمع نسائي خطرا على أحد، لكنني وزميلة تقف بجواري شكرناها ومضينا، ثم قلت لزميلتي أعتقد أنني سأتوب عندما يصبح عمري خمسة وعشرين سنة، ما رأيك؟ فأيدتني تماما في أن سن خمسة وعشرين سنة مناسب للتوبة من ارتداء قمصان بلا أكمام، ومضينا لتتوب صديقتي عن كل شيء ولا أستطيع أنا.  في حياتي العملية اكتشفت أن تعليمات وزارة التعليم تنص على عدم ارتداء المعلمات الكم القصير، وقعت عشرات التعاميم التي تحذر من ذلك، وتهيب بالجميع إلى التقيد بذلك، لكني لم أجد سببا منطقياً، فجدة مدينة حارة شرحت ذلك لمديرتي الجداوية، لكنها نظرت نحوي بعدم اهتمام وأمرتني بالانصياع إلى التعاميم فأطعتها فترة، ثم وجدت

أن هناك طريقة جيدة للتوفيق بين واجبها وبين راحتي، وهي ألا تراني ببساطة إلا بعباءتي صباحا عند التوقيع، ومساء عند توقيع الخروج وبالعباءة أيضا، لكنها ولأنها مديرة نشيطة جداً كانت تقبض علي متلبسة من بعيد

فتصرخ باسمي فأقف متجمدة في مكاني حتى أراها تشير لذراعي غاضبة، وفي حالات أخرى كانت تقرصني

معاتبة لكنها في نهاية العام كانت تقول لي وهي متأسفة لم أعطك الدرجة الكاملة في الخانة المتعلقة بالمظهر.

أفكر في ذلك بعد كل هذه السنوات، وأقول لعل هذا الكم هو الذي جعلني دائما أهرب من التدريس رغم محبتي الكبيرة له، أعني تدريس طالبات المرحلة الثانوية، وربما هذا التشدد في أنظمة اللبس يجعل كثيرا من النساء يعشن حالة نفاق حقيقية خارج بلادهن الخليجية أناقشه عادة مع صديقات من ماليزيا والصومال وبريطانيات مسلمات يقلن إنهن لا يعجبهن ما تفعله نساء الخليج بالحجاب، فأقول لهن لماذا لا تشكرن الله أن حجابكن هو اختياركن فيتوقفن عن اللوم كأنما أدركن الفرق.