يتسابق الناس في الحياة والأعمال على تقديم الأفكار المبتكرة، ولكن العوائق كثيرة، وقد تضيع الوقت والجهد.
فلا تقدم فكرة تحتاج لعدة متعاونين وأنت لا تملكهم ولا تملك مواردها المالية الكافية إلا إذا كانت مبادرة فردية ناجحة يمكن دعمها لاحقاً، كما فعل مؤسسا جوجل عند ابتكارهما لفكرة محرك البحث، ولم يتمكنا من إكمال تنفيذها إلا من خلال تبرع أحد الأثرياء الداعمين، وهو ما ساعدهم على إيجاد المتعاونين.
لا تقدم فكرة ذات عوائق قانونية أو اجتماعية أو سياسية قد تعطل الفكرة، فمن السهل أن تصنع تطبيقا للكتب، ولكن متجر أبل -مثلا- يرفض نشر تطبيق ينتهك حقوق الملكية الفكرية، إضافة إلى احتمال ملاحقتك القانونية.
لا تقدم فكرة مجانية في شركتك قد يحسب إنجازها لإدارة أخرى وخاصة إذا كانت مجهدة، إلا إذا كان لك هدف آخر مثل نيل ثقة رئيسك في العمل أو تفضيلك لمصلحة الشركة. ولا تقدم فكرة لا تتصف بالاستمرارية، فكّر في استمرارها بحسب نوع الفكرة لأشهر وأعوام ومن جدوى الاستمرار.
لا تقدم فكرة في شركتك تتعارض مع مصلحة إدارة أخرى، أو قد يشعر رئيسك معها بالتهديد، إلا إذا كنت تملك القوة والنفوذ اللازمين لنجاح الفكرة، لأنك قد تخلق أعداء حتى من أصدقائك، فغريزة البقاء عند الموظفين أقوى من العلاقات الإنسانية، وتذكر أن طبيعة عمل الشركات لا تساعد على تقديم الكثير من الابتكارات بسهولة.
لا تقدم فكرة على أنها جديدة إن كانت مكررة، ولكن ميزها في طريقة التقديم، فليس جديداً أن تقدم تطبيقا أو مدونة أو برنامجا، ولكن الجديد قد يكون القدرة على التنفيذ مقارنة بالزمن والمكان، فأغلب الأفكار تستورد من الدول التي تقودها مؤسسات الابتكار والاختراع والبحث، ولكن الجديد قد يكون القدرة على تنفيذها في مكان آخر.
لا تقدم في شركتك فكرة قد تعطل الهدف الرئيسي للعمل أو فكرة مخادعة لا تتميز بالاستمرار كابتكار أنظمة تشغيل غير مجدية فعلياً إلا إذا كنت تخادع للحصول على ترقية باستغلال جهل رؤسائك، ولكن تأكد أن المخادعين ينكشفون في نهاية المطاف.
لا تقدم فكرة ذات منافسين أقوى إلا إذا كنت متأكداً من قدرتك على المنافسة أو من خلال التركيز على ما ينقص المنافس لكن ضع في الحسبان أن المنافس قد يبادر لتطبيقها ويكون سبباً في خسارتك.
لا تقدم فكرة وهناك بدائل أسهل وأقل تكلفة، فمن السهل أن تؤسس نظاما تشغيليا للموارد البشرية من الصفر، ولكن قم بدراسة الجهد والوقت ومتطلبات الصيانة دون أعطال فادحة، مقارنة ببدائل جاهزة وأقل تكلفة وأكثر جدوى.
لا تقدم فكرة تحتاج لدراسة دون دراسة، فمن السهل أن تصمم باقة لشركة اتصالات، ولكن هل أجريت دراسات فعلية منهجية لمعرفة احتياجات العملاء وتطلعاتهم، وهل أجريت دراسات للإمكانيات التقنية التي تملكها الشركة؟ وهل تعلم حجم التعارض مع الباقات الأخرى وهل تدرك شروطها القانونية؟
أحيانا تحتاج أن تنفذ العمل المطلوب منك بأفضل شكل وأن تحافظ على الجودة قبل أي شيء آخر، فالابتكار في غير محله عادة ما يكون سبباً في الفشل وتعطيل المصالح وتضييع الوقت والجهد، وقد تكون هناك جدوى واحدة فقط للابتكارات غير المجدية، من خلال الكم المؤدي إلى الكيف، إذ إن هذا قد يساعد على التعلم، وهو ما فعلته شركة جوجل من خلال تقديم عدة منتجات كبرى فاشلة وغير مجدية مما جعلها تتجه في نهاية المطاف إلى التركيز على تطوير جودة منتجاتها الأساسية والعمل على شراء منتجات جاهزة دون الحاجة للابتكار، ولكن هذا بدوره أعطى شركة جوجل خبرات كبيرة من خلال تميزها بامتلاك جيش من عباقرة المبرمجين.
مؤسس مشروب الكولا كان صيدلانيا مات فقيراً لأنه لم يجد الدعم وقد كانت فكرته جديدة، أما كنتاكي مقدم وجبة الدجاج فلم يقدم فكرة جديدة، ولكنه ابتكر في مستوى الجودة، أما هنري فورد فلم يكن مخترع السيارة ولكنه قدم أول سيارة شعبية بتكلفة مناسبة لعموم الناس، وقد تطلب منه ذلك أن يبتكر أول طريقة لخط الإنتاج الجماعي، وبالتالي فقد ابتكر في طريقة التقديم. أما ستيف جوبز ففعل نفس الشيء عند تقديم جهاز الماك وبعدها الآيفون، وقد كان لجهود الآخرين والعمل الجماعي وتراكم الأفكار السابقة الدور الأساسي في ابتكاراته، أما فكرة تويتر فقد رفضت في شركة جوجل عندما كان يعمل مؤسسها في الشركة، ولكن الإصرار مع الصدفة أيضاً كان لها دور في هذا النجاح.
أغلب الصناعات الصينية الجديدة كصناعة السيارات مثلا كانت من خلال الاستعانة بخبرات شركات ودول سابقة في مجالها وبالنجاح في معادلة الطلب بناء الجودة مقارنة بالتكلفة، وهناك منتجات وطنية كثيرة خرجت للسوق، غير أنها لم تصمد، فلا يجب أن يكون دعم هذه المنتجات بدوافع وطنية أو عروبية، بل من خلال قوانين السوق القائمة على المنافسة، وتحقيق حاجات المستهلك.
عوائق الابتكار يجب أن تكون مدخلا إلى الابتكارات الناجحة، والتفاؤل والبحث عن مجتمعات الابتكار، فسابك إحدى أعظم الشركات السعودية الداعمة لابتكار الشباب، وهي المؤسسة لمشروع موطن الابتكار الرائد، أما بنك التنمية الاجتماعية فيدعم تمويل الكثير من المبادرين والمبتكرين، أما مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية فتعد أكبر حاضنات الابتكارات والاختراعات في المملكة، وهناك شركات وتجار يدعمون الابتكارات المجدية، ولا يوجد أقوى من دعم السوق للابتكار.
ابتكر ولكن حافظ على الجودة أولاً، وبادر لكن تأكد من الجدوى، واعمل بشكل فردي، ولكن تأكد من تعاون الآخرين عند الحاجة، وقدم الفكرة ولكن تأكد من استمرارها، وادعم الفكرة مالياً ولكن تأكد من استمرار الدعم المالي، ونافس ولكن تأكد من قدرتك على الاستمرار في المنافسة، وانجح في تنفيذ الفكرة ولكن تأكد من نجاحها التجاري أو الخدمي، فمن السهل أن نبتكر أفكاراً في الهواء.