كيف انتشر الإسلام في إندونيسيا؟، كيف نال «أحمد زويل» جائزة نوبل؟، وما الذي يفعله الآن «عادل الجبير»؟، لقد انتشر الإسلام في إندونيسيا بالجهاد، ونال «أحمد زويل» جائزته بالجهاد، و«عادل الجبير» يجاهد الآن!، إن الجهاد بمعناه الحقيقي ليس مرادفاً للقتال، وأدوات المجاهدين الصادقين ليست السيوف والرماح والمسدسات، إن معنى الجهاد: أن يبذل الإنسان جهده وأقصى طاقاته ليحقق أهدافه، أن يسعى ويحاول بجد وبكل أمانة وإصرار، وبهذا المعنى فإن الجهاد ليس مرتبطاً بالقتال إنما بكل مناحي الحياة، بالدراسة والتجارة والسياسة ويتداخل حتى مع العلاقات الاجتماعية، مما يعني أن كل فرد من أفراد المجتمع –إن أراد- سيكون مجاهداً في مجاله، الطبيب والمحامي والمعلم والمتعلم.
نحن ربما سنضحك إن سمعنا أحدهم يصف هذا الوزير أو ذلك السفير بالمجاهد في سبيل الله، سنضحك إن قال أحدهم إن موظف خدمة العملاء المخلص في عمله على درب الجهاد، سنضحك وضحكنا هنا استنكاراً، والاستنكار هنا مرده إلى أن الجماعات الإسلامية وفقهاء القتال صنعوا لنا قالباً محدداً وحشروا الجهاد فيه، رسموا لنا صورة محددة وقالوا هذا هو المجاهد في سبيل الله، هؤلاء اختطفوا مصطلح الجهاد وجعلوه مرادفاً للقتال فقط، حتى أصبحنا لا نستنكر توجه الباحث عن الجنة إلى أقرب جماعة ليبايع أميرها، ثم يشرع في التدرب على استخدام السيوف والرماح والقنابل وأساليب الاغتيال، بينما إن توجه نفس الشخص بنفس الدوافع إلى أقرب جامعة وكلية فإننا نستنكر هذا التصرف إلى الحد الذي قد يدعو إلى الضحك!.
إن غاية الجهاد أن يبني الإنسان ذاته بناءً صحيحاً، أن يجتهد علمياً وعملياً، فإن فعل فستصبح الدولة حينها قوية اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وعلمياً، إن الدولة لا تصبح قوية لأن كل أو معظم أفرادها مقاتلون أشداء، إنما تصبح قوية إن كان أفرادها مجاهدين -وهنالك فرق- فالدولة التي يجاهد أفرادها كل في مجاله ستكون دولة طبيعية قوية، بينما الدولة التي يصبح أفرادها مقاتلين أشداء محترفين في استخدام السيوف والرشاشات فهذه دولة عصابات كدولة المغول مثلاً، والإسلام لم يأت للحث على بناء دولة عصابات، بينما مشروع الجماعات الإسلامية وفقهاء القتال ينتهي عند دولة العصابات.
إننا لو تأملنا في نهج الجهاد لدى الجماعات الإسلامية وفقهاء القتال لوجدنا أنهم يحاولون بالقتال تحقيق ما لا يمكن تحقيقه أبداً بالقتال!، يرفعون شعارات وأهدافا دينية ودنيوية لا سبيل إلى تحقيقها بالسيف أبداً، كالفوز بنعيم الجنة في الآخرة ونصرة المستضعفين في الدنيا، هذه الأهداف بالإضافة إلى قائمة الأهداف والشعارات الرنانة كـ«تحرير بيت المقدس، استعادة عز المسلمين.. إلخ» كل هذا لا يمكن تحقيقه بالقتال وحده، لا يمكن لمن لا يعرف إلا «حز الرقاب» أن ينجز شيئاً سوى الدمار، وها هي أفغانستان قد تشوه الإنسان فيها وتشوه الإسلام وتشوهت معالم الدولة الطبيعية، لأن الجماعات الإسلامية أرادت بالسيف تحقيق ما لا يمكن تحقيقه بالسيف، ربطوا الجهاد بالقتال فانتهى الأمر بدولة عصابات وأفيون وتعاطي حشيش!.
إن ما بُني على باطل فهو باطل، ولأن فقهاء القتال بنوا الجهاد أساساً على باطل فطبيعي أن ينتهي الأمر بالمقاتلين في صفوف الجماعات الجهادية دوماً بالإحباط والشعور العميق بالخيبة والفشل، إن الإحباط هنا سببه أن الجماعات الجهادية تعد أعضاءها بالجنة وحورٍ عين وتحرير بيت المقدس وبناء دولة إسلامية قوية يهابها الجميع، تعدهم بتحقيق كل هذا وهي لا تملك إلا السيف، ولأن السيف لا يحقق أياً من كل هذا فينتهي الأمر دائماً بالمجاهدين الأشاوس إلى الإحباط والشعور بالفشل، والمفارقة أنه حين يصاب الجميع بالخيبة تبدأ كل جماعة في تكفير ولعن الأخرى، ثم تبدأ حفلة تكفير وتخوين هستيرية تطال كل البلدان الإسلامية بمن فيها من قادة وسياسيين ووزراء وعسكر وإعلاميين، ولا هدف من حفلة الشتم الهستيرية هذه إلا صرف أنظار الجميع عن أساسات الخلل الكامنة في عقول فقهاء القتال.
علينا اليوم إعادة تعريف الجهاد، وعلى الباحث عن نعيم الجنة والراغب في تحرير بيت المقدس أن يقتنع بأن الطريق الوحيد أمامه لتحقيق كل هذا هو أن يتجه إلى أقرب جامعة –لا جماعة- إنما جامعة يجلس فيها على مقاعد الدراسة ويجد ويجتهد في دراسته، وعليه حين يتخرج أن يبذل أقصى طاقاته في العمل وفي التجارة والصناعة، أن يبدع ويبتكر ويثابر ويصر على عدم الفشل وإن فشل، فإن «عمر بن الخطاب» لم يفتح بيت المقدس لأن لديه جيشاً من المقاتلين الأشاوس، إنما فتحها لأن الدولة التي كان يحكمها كان التاجر والقاضي والطبيب فيها كلهم يجاهدون في سبيل الله وهكذا فتحها بلا قتال. هذا هو الطريق إلى الجنة، طريق شاق طويل، لكنه مضمون لا كطرق فقهاء القتال المختصرة والملتوية والتي تنتهي بغضب الله!، هذا هو الطريق الذي انتشر به الإسلام في إندونيسيا -جهاد لا قتال فيه- هذا هو الطريق الذي سيبني دولة طبيعية قوية في كل مجالاتها، حتى المجال العسكري للدولة حينها سيصبح فاعلاً ومؤثراً لا مجرد حرب عصابات وعمليات انتحارية لا تستهدف إلا المسلمين!.