عبدالله الطليان
شدني بيت الشاعر أبو فراس الحمداني الذي يقول فيه:
ونحن أناسٌ لا توسطَ بيننا
لنا الصدرُ دون العالمين أو القبر
بيت من الشعر يدل على حب الرفعة والعزة بالنفس، والبحث عن المكانة العالية التي هي من الصفات المترسخة في المجتمعات العربية منذ القدم، والتي يوجد منها في التاريخ العربي ما يجسد هذه المعاني، خلال المعارك والفتوحات، والتي تعدّ صفحة فخر ما زالت مخلدة في الذاكرة تعلمناها وقرأنا عنها، ولكنها توقفت وذهبت مع الزمن، وليت الأمر توقف عند هذا بل الأمر تحول إلى ضياع وتشتت وصراع وتمزق، كما هو حاصل الآن مع الأسى والحزن والألم الذي أصابنا بالإحباط والعجز والضعف.
فقد استُبيحت أرضنا العربية بشكل مريع، وصار هناك استنزاف لمقدراتنا ومواردنا، أدخلنا في صراعات فكرية استقطبت بعض شبابنا الذين هم أساس البناء، وتحول واقعنا إلى محرقة شملت الإنسان والأرض، كبلتنا الحيرة التي امتزجت مع اليأس والقهر على تلك المأساة وهذا الوضع المتردي، وقد اختار بعض مثقفينا القبر في بداية هذا التردي، مثال ذلك الشاعر اللبناني «خليل حاوي» عندما غزت «العصابات الصهيونية» لبنان ووصلت إلى بيروت عام 1982، ضاق ذرعا فوضع حدا لحياته، فأطلق على رأسه الرصاص، وفضل أن يكون تحت التراب على أن يشاهد العدو يستبيح بلده.
قد يختلف معي البعض على وجه التشبيه والمقارنة بين شخصية أبو فراس الحمداني وخليل حاوي، من ناحية القصد والمعنى، فالموت في ساحة الوغى هو الرمز الحقيقي للبطولة والشجاعة ومجابهة العدو، عكس الموت بقتل النفس من القهر على الحال، ونقول بعد هذا إن الإنسان العربي لا يرضى بالذل والإهانة والحط من كرامته، ولعل تلك الأجساد الطاهرة التي تتساقط يوميا على أرض الإسراء والمعراج هي خير مثال، رغم أنها لا تمتلك السلاح، ولكن أبت أن تعيش تحت رحمة الاستعمار الصهيوني البغيض.