لا يوجد إنسان لا يحب أن يواكب العصر، ويصبح جزءا من التطور والتقدم اللذين يحدثان في بلاده.
ففطرة الإنسان حول الأرض منذ بدء الخليقة، تدفعه إلى تعمير وتحسين البيئة التي يوجد ويعيش فيها. ومنذ العام الماضي ونحن نتابع خلايا نحل تحوم حول مناطق المملكة، تعمل وتبني في عدة مواقع في وقت واحد، في حراك ملحوظ، وعمل دؤوب متواصل، لتعمير وتطوير البنية التحتية والخدمات والأنظمة في عدة قطاعات.
الجميل في الأمر، أن تلك العمليات التطويرية الضخمة، تخضع لإجراءات تعديل وتصحيح تعيدها إلى مسارها، في الوقت نفسه الذي تنطلق باتجاه أهدافها.
كما لاحظنا تفاعل «بعض» المسؤولين وتقبلهم النقد بطريقة عملية أفضل من السابق بكثير، إذ أبدى بعضهم اهتماما كبيرا لما نكتب وننتقد ونقترح، بروح رياضية، تبحث عن الثغرات التي يختبرها المواطن لتحسينها، بعد أن أدركوا أننا شركاء معهم في التنمية، نحمل الهَمّ والحلم كليهما.
وبينما نراقب نمو وتيرة التطور، أكاد أشعر بأننا سنُسن أقلامنا قريبا لنكتب بخطوط رفيعة، تفاصيل تلك الإنجازات والتطورات المثيرة، التي بدأت براعمها تنمو وتشق الأرض، مقتربة يوما بعد يوم من موسم الحصاد الكبير الذي سيعود بفوائده علينا وعلى الوطن والأجيال القادمة، بإذن الله.
ففي الأسبوع الماضي، انطلق -بفضل من الله- مشروع قطار الحرمين الذي قُدرت تكلفته بـ63 مليار ريال في رحلة تجريبية من جدة إلى المدينة المنورة، نفذتها وزارة النقل لرصد ونقل جميع الملاحظات وتقديمها للمسؤولين، قبل تشغيله رسميا، وكما نعلم سيسهل هذا المشروع حركة ما يقارب الـ60 مليون راكب من الحجاج والمعتمرين سنويا، ونترقب البدء بتشغيله بداية العام القادم 2018، ونترقب معه أيضا افتتاح مترو الرياض المشروع الضخم الذي قدرت تكلفته بـ22.5 مليار دولار، والذي بدأ العمل به عام 2014، وأصبحنا نتابع نموه يوما بعد يوم، وشاهدنا اكتمال بعض أجزائه في عدة محطات من محطاته الـ85، وأجمل ما في مشروع مترو الرياض، تلك المشاركة الكبيرة للمهندسين والمهندسات السعوديين الذين يبلغ عددهم أكثر من 833 سعوديا، كانوا يتولون مختلف الأعمال الهندسية والفنية والتقنية والإدارية في المشروع.
ومن ناحية تطوير بعض الأنظمة والقوانين، نواكب حاليا تنفيذ الأحكام إلكترونيا بضغطة زر، بعد أن كانت إجراءات تنفيذ الأحكام تتأخر كثيرا، ويتكبد المتضررون سنوات طويلة من أعمارهم.
كما أصبح المجلس الأعلى للقضاء يعزل القضاة الذين لا يتجاوزون «تقرير الكفاية»، بعد أن عُزل قاض حصل على تقدير أقل من متوسط، وهذا في حد ذاته تطور لتجويد أعمال القضاة والقضاء، وأصبحت وزارة العدل تمارس الرقابة على القضاة في المحاكم أكثر من غيرهم، إذ أصبح الآن 60% من عمل القضاة يخضع للتفتيش، ولا يُرقّى أي قاضٍ قبل أن يمر عمله وأداؤه من نفق التفتيش.
ومن أجمل التطورات التي حدثت مؤخرا في القطاع التعليمي، وتستحق الإشادة، موافقة الوزارة على قرار تدريس المعلمات للبنين في الصفوف الأولية في المدارس الحكومية، بعد أن أثبت جدواه من التجربة في المدارس الخاصة والأهلية، فكل معلمة تعدّ أُمّا حتى لو لم تنجب، إذ هناك كثير من المهارات التي تملكها المعلمات بالفطرة، وأرى أن وزارة التعليم أصابت حين فكرت في الاستثمار فيها. ونتمنى أن يلحق ذلك على وجه السرعة قرار لتعليم اللغة الإنجليزية من الصف الأول الابتدائي، لتحسين مخرجات التعليم وتأهيل الطلبة مبكرا للمرحلة الجامعية.
ومن جهة أخرى، تفاءلت كثيرا بعد لقاء وزير العمل مع المهندسين العاطلين، والذي أسفر عن الموافقة بإيقاف تعديل مهنة العامل الوافد إلى مهندس، وكل هذا تطور مقبول وفي الطريق الصحيح، حتى ظهرت أمامي تلك «الحفرة الكبيرة» التي كنا نسعى إلى ردمها وتسويتها بالأرض، فكلما ألقينا مزيدا من التراب داخلها، نكتشف أن هناك آخرين خلف ظهورنا في مواقع مختلفة يتناوبون على حفرها من جديد!
إذ صرح سفير بنجلاديش لدى الرياض الأسبوع الماضي، غلام موسي، بأن السعودية ستستقدم 3 آلاف عامل من بنجلاديش في مختلف القطاعات خلال العام الحالي، بعد تدريب العمالة بشكل جيد، للعمل في الشركات السعودية، وطالب السفير من رجال الأعمال السعوديين، المساعدة في توظيف مهندسين وأطباء من بنجلاديش، بعد أن أكد أن حكومة بلاده تدرب عمالتها قبل السماح لها بالسفر للعمل في المملكة!.
إذن، ليوضح لنا أي مسؤول يرى بوضوح أكثر منا، أن ما قاله السفير البنجلاديشي غير صحيح، وأن حكاية الحفرة التي تتوسع أمامنا مجرد سراب!.