تُعد قضية القدس لدى تصغيرها إلى قضية فرعية خاصة بمنطقة «القدس القديمة» أو «القدس الشرقية» التي تم احتلالها في حرب (يونيو) 1967، إحدى القضايا الرئيسة من رزمة قضايا ما يسمى الحل النهائي للصراع على المسار الفلسطيني- الإسرائيلي، وفقاً لما نص عليه اتفاق أوسلو في 13 (سبتمبر) 1993. بينما القضية في سياقها العملي تتعلق بالقدس «الكبرى» أو «الموسعة» من حيث المساحة التي تبلغ أضعاف مساحة ما يدعى بـ«القدس الشرقية».

وللتعريف بالقدس وفق هذا المصطلح، تجدر الإشارة إلى التحولات الجيوبوليتيكية لواقع المدينة على امتداد ستة عقود من الزمن. ففي أعقاب حرب 1948 واتفاقية الهدنة الإسرائيلية- الأردنية في 3 (أبريل) 1949، وبشكل يتجاوز ما نص عليه قرار تقسيم فلسطين الرقم 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 (نوفمبر) 1947، وكذلك قرارها 194 في 11 (ديسمبر) 1948، توزعت أو تقسمت المساحة الكلية للقدس التي بلغت آنذاك نحو 19331 دونماً إلى ثلاث مناطق هي التالية: 1ـ المنطقة الإسرائيلية: أو ما دعي بـ«القدس الغربية» مساحتها 16261 دونماً، أي نحو 84.12 في المئة من مساحة القدس. 2ـ المنطقة العربية، أو ما دعي بـ «القدس الشرقية» التي خضعت للحكم الأردني بعد توحيد الضفتين: الشرقية والغربية لنهر الأردن، ومساحتها 2220 دونماً، نحو 11.48 في المئة. 3ـ المنطقة الدولية: وهي منطقة منزوعة السلاح من القدس وضعت تحت سيطرة الأمم المتحدة وتبلغ مساحتها 850 دونماً، أي نحو 4.39 في المئة من مساحة القدس.

وقد أخضعت القدس في أعقاب عدوان 1967 للقانون الإسرائيلي وأعلن ضمها إلى إسرائيل بموجب ما عرف باسم «قانون القدس» الذي أصدرته حكومة مناحيم بيغن وأقره الكنيست في 30 (يوليو) 1980.

وكان البحث الإسرائيلي في مستقبل القدس ومصيرها السياسي يُسلم بفرضية رئيسة تتمثل في غياب أية إمكانية عملية لإعادة تقسيم القدس بحواجز تفصل بين شطريها: الشرقي والغربي، إضافة إلى رفض مبدأ «تدويل القدس». ورغم ذلك عرض باحثون إسرائيليون بعض الخيارات منها:

1ـ سيادة منفردة: تكون القدس بموجبها عاصمة لدولة واحدة هي إسرائيل، لكن الوظائف الإدارية مشتركة.

2ـ سيادة مجزأة تكون القدس موحدة جغرافياً وعاصمة لكلتا الدولتين (الإسرائيلية والفلسطينية) وتكون الأعمال الإدارية مشتركة أو مجزأة. 3ـ سيادة مشتركة: يحكم الإسرائيليون والفلسطينيون المدينة معاً وتندمج كل المؤسسات الوظيفية على أساس عادل. 4ـ تقاسم السيادة: توسع حدود القدس الجغرافية بحيث تضم عدداً متساوياً من الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتم التعبير عن هذه الخيارات المتعددة في جملة من المشروعات والتقارير والمقترحات والخطط، أبرزها: مشروع «فايتس» والتقرير الصادر في 1996 الذي يعد جزءاً من الوثائق التي اقترحت على الفلسطينيين استعداداً للمفاوضات بشأن مستقبل القدس. هو التقرير الذي تضمن بدائل أهمها، يشمل اعتراف إسرائيل بسيادة فلسطينية على جزء من القدس، مع خمس إمكانيات لتسليم مناطق، مرتبة من الأدنى إلى الأقصى على النحو التالي:

1ـ منطقة محدودة في هامش مجال نفوذ القدس ومرتبطة بامتداد إقليمي للسلطة الفلسطينية، بحيث تستخدمها السلطة كمقر للحكومة، أما باقي الأحياء العربية فتبقى بحكم ذاتي إداري تحت السيادة الإسرائيلية. والمناطق الهامشية الممكنة هي: رأس العمود، عرب السواحرة، أم ليسون، صور باهر، أم طوبا (جنوب شرقي المدينة) السفوح الشرقية لجبل الزيتون، الشياح والطور، العيسوية، شعفاط، بيت حنينا، وكفرعقب في شمال المدينة. 2ـ مناطق شرقي القدس باستثناء الأحياء اليهودية وحائط البراق «المبكى»، أما باقي أماكن البلدة القديمة التي تعد مقدسة للأديان الثلاثة فسوف تحصل على مكانة سيادة خاصة مؤجلة. 3ـ شرقي القدس باستثناء الأحياء اليهودية وحوض البلدة القديمة التي ستبقى تحت السيادة الإسرائيلية.

4ـ شرقي القدس باستثناء الأحياء اليهودية والمقبرة اليهودية في جبل الزيتون ومدينة داوود والحي اليهودي والحي الأرمني في البلدة القديمة فتبقى تحت السيادة الإسرائيلية. 5ـ شرقي القدس باستثناء الأحياء اليهودية، وهذه الإمكانية الأكثر تطرفاً من الناحية الإقليمية.

و«إيجابيات» هذا البديل، وفق التقرير كثيرة من أبرزها «الصلح التاريخي مع الفلسطينيين والعالم الإسلامي، الحفاظ على السيادة اليهودية شرقي المدينة، الحصول على إنجازات إقليمية، الانتقال الحر بين أجزاء القدس، احتفاظ إسرائيل بمسؤوليات الأمن الخارجي، والتدرج في مجال السيادة الفلسطينية خلال فترة طويلة.

وفي سياق المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيليُة طُرحت أفكار حلول مثل: سيادة سماوية، سيطرة إدارية، مكانة بلدية محكومة ذاتياً، ومجال بلدي مقسم تحت سيادة موحدة، وفصل «يروشاليم» عن القدس. وقصد بـ«السيادة السماوية» إزالة السيادة عن مناطق مثل: المدينة القديمة والأماكن المقدسة التي ليس هناك احتمال للوصول إلى اتفاق بشأنها، وجعلها مناطق بلا سيادة.

وأثناء وبعد مفاوضات كامب ديفيد الثانية في (يوليو) 2000، إذ بدت صورة الأفكار الإسرائيلية لحل قضية القدس مشوشة نظراً إلى تعدد البدائل والمخططات في ظل إعلان رئيس الحكومة أيهود باراك عن تمسكه بما دعاه «الخطوط الحمراء»، والخط الأحمر الذي حدده باراك بشأن الأماكن المقدسة يقضي بأن تبقى المسؤولية الأمنية الشاملة عن الحرم القدسي الشريف وبلدة القدس القديمة في أيدي الإسرائيليين، مع استعداد باراك للقبول بإقامة ممر فلسطيني آمن يربط بين أبو ديس والحرم القدسي، إذ يتيح هذا الممر إعفاء المصلّين المسلمين القادمين من مناطق السلطة الفلسطينية من ضرورة المرور عبر مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية. كذلك يوافق باراك على السماح للفلسطينيين برفع علمهم على الحرم القدسي الشريف. وإسرائيل مستعدة لمنح بلدة القدس القديمة مكانة خاصة بحيث توصف كـ«منطقة دينية».

وقد عبر الكاتب الإسرائيلي دانييل غولدمان عن رؤيته لقضية القدس بقوله: «قيل إنه يوجد للقدس 70 اسما. وقد يكون هذا موازيا لفكرة أنه يوجد للتوراة 70 شكلا. فكرة الـ 70 اسما قد ترمز إلى تعقيد قصة القدس. ولا حاجة إلى الهرب من ذلك، بل على العكس».

وتجدر الإشارة إلى أن أوّل اسم ثابت لمدينة القدس هو «أورسالم» الذي يظهر في رسائل تل العمارنة المصرية، ويعني أسس سالم؛ وقيل مدينة السلام. وما لبثت أن أخذت اسم «يبوس» نسبة إلى اليبوسيين. وتذكر مصادر تاريخية عن الملك اليبوسي «ملكي صادق» أنه هو أول من بنى يبوس أو القدس، وكان محبًا للسلام، حتى أُطلق عليه «ملك السلام» ومن هنا جاء اسم المدينة، وقد قيل إنه هو من سماها بأورسالم أي «مدينة سالم». وأطلق الرومان على المدينة تسمية «مستعمرة إيليا الكاپيتولينيّة» سنة 131 للميلاد. وذُكرت في العهدة العمرية باسم «إلياء» أو «إيليا». أما اسم القدس فقد يكون اختصارًا لاسم «بيت المقدس».

عموماً، تعتقد غالبية الإسرائيليين أن تطبيق الانفصال في القدس- على الرغم من عبر ودروس الانفصال عن قطاع غزة وخطة الانفصال- سيحكم على القدس بمصير مشابه لـ «سديروت» والمستوطنات المحيطة بغزة، وسيكون في منزلة التهديد الأمني والديموغرافي الأشد خطراً مقارنة بأخطار أخرى.