إن قدرة المجتمع على نقل ثقافته وقيمه السياسية من جيل إلى آخر عبر المؤسسات الاجتماعية المختلفة الموجودة داخله يسهم في وعيهم سياسيًا، وإكسابهم القيم والاتجاهات التي تحمي سيادة وطنهم واستقراره الأمني، وتعدّ الأسرة من أهم عوامل التنشئة السياسية وأدواتها، فالأسرة هي الممثلة الأولى للثقافة، وأقوى الجماعات تأثيراً في سلوك الفرد، والوالدان هما الصورة الأولى للسلطة بشتى صورها، وتعود أهمية الأسرة في التنشئة السياسية إلى ترابطها الوثيق بالفرد طوال حياته بروابط متينة، فمن خلالها يتمثل الطفل قيمها السياسية واتجاهاتها، كما أنها المرجعية التي يستمد منها الفرد هويته وكيانه ومركزه السياسي، فالأسرة تغرس في أبنائها منذ نعومة أظفارهم معاني الوطنية والتضحية والإخلاص للوطن واحترام أنظمته وسياساته.
ولا شك فإن الأنظمة السياسية تملك الوسائل الكفيلة لتوفير التربية اللازمة لتأمين الأهداف التي تسعى إليها، والميزة المهمة في النظام التربوي الحديث هي ضرورة تعليم الشعب كله المعلومات والمهارات الأساسية والأكثر فاعلية لكي يصبح الشعب مؤهلاً للعمل والفهم ويسهم في التماسك الاجتماعي والسياسي، وتكمن أهمية المؤسسات التعليمية (المدرسة ـــ الجامعة) في أنها تمثّل الخبرة الأولى المباشرة للطفل خارج الأسرة، كما تلعب دوراً حيوياً في عملية التنشئة السياسية والاجتماعية من حيث غرس القيم والاتجاهات الوطنية، ليس بطريقة تلقائية (كما في الأسرة)، بل بطريقة منهجية ومنتظمة من خلال المناهج والكتب المدرسية والأنشطة التي ينخرط فيها الطلاب.
فعملية التنشئة السياسية تقوم بمختلف أدواتها ومؤسّساتها بالتركيز على مفهوم الوطن، وغرس ولائه في نفوس مواطنيه، وتزداد أهمية ذلك الولاء في أوقات السلم والحرب معاً، وإن كانت تزداد بنسبة أكبر في أوقات الأزمات والشدائد، ولا شك فإن وحدة الولاء للوطن أعلى وأهم الولاءات، ويظهر ذلك عن طريق الوفاء له والدفاع عنه والمساهمة في تنميته والالتزام بأنظمته والمحافظة على أمنه واستقراره، وأن يكون كل مواطن عينا ساهرة في أرجائه، وإظهار الجوانب الإيجابية من تاريخه وحاضره، والتركيز على بطولات جنوده البواسل من أبنائه المدافعين عن حدوده وثغوره، وهذا ما يخلق روح التفاني والتضحية من أجل أمنه وسلامته.
وتضم وسائل الاتصال المختلفة من إذاعة وتلفزيون وصحف وسينما ومسرح أدواراً مهمة في نقل المعلومات إلى المواطنين، وقد حظيت هذه الوسائل باهتمام الدول كافة وخصوصاً التلفزيون ، لأنه لا يتطلب معرفة بالقراءة والكتابة، كما أنه يسخر حاستي السمع والبصر في تلقي المعلومات، ويقضي الفرد أمامه معظم أوقات يومه، وتعود أهمية وسائل الاتصال في نشر القيم والاتجاهات السياسية التي تستهدف جميع أفراد المجتمع تقريباً لما تبثه من برامج متنوعة قد تلبي رغبات المشاهدين من جانب، ولكنها موجهة من جوانب أخرى لبث برامج وثائقية أو حوارية خدمة لأهداف أو أيديولوجيات أخرى مخطط لها مسبقاً.
ومن هنا فإن على أبناء الوطن أن يرتقوا بإدراكهم ووعيهم للأحداث الاجتماعية والسياسية المحيطة بهم، وأن يعدوا أنفسهم بطريقة تزيد من استثمارهم لقدراتهم الإبداعية ومواهبهم الكامنة ليحسنوا التعامل معها بالشكل الداعم لجهود بلادهم، وتزيد وتعمق من ولائهم وانتمائهم وإخلاصهم لوطنهم، وأن يسعوا جاهدين ليحققوا غاياته وطموحاته وسيادته واستقراره.