بعض الناس في مجتمعنا -بشكل غريب- يثير إعجابهم الذين ينتقصون منهم، الذين يسيئون إليهم، وتجدهم لا يجالسون إلا من يحجمونهم ويقزّمونهم ويحرجونهم.
هؤلاء الناس، الذين يؤمنون ويطبقون فعليا ما يُدعى «القط يحب خنّاقه» مساكين. أحزن عليهم. يقضون كل حياتهم في محاولات لإرضاء الحبيب أو القريب، وهم يعتقدون أن الحب ليس سوى تنازلات، وصلة القربى ليست أكثر من صبر وتكلف!.
هؤلاء فعلا فعلا مساكين. يفوتهم من الحياة الكثير. تفوتهم لحظة حب صادقة. تفوتهم قلوب تحترمهم وتعطيهم بالشكل الذي يليق بهم. تفوتهم علاقات خالية من التعب والضعوطات والانكسارات.
كثير من الأهل يعتقدون أنهم يختارون الأفضل لأبنائهم، حينما يسيّرون حيواتهم وفقا لهواهم، وهذه مصيبة، لكن الأعظم هو أن ننقاد كأبناء ونجد في النهاية أننا لم نختر أي شيء ولا أي تفاصيل فيما يخصنا. كثير من الفتيات تتزوج شخصا يعتقد أن الرجولة هي فرض الهيمنة عليها وهذه مشكلة، لكن المشكلة الأكبر هي اعتقادها بأن الهيمنة والإجبار والقسرية والقسوة كلها رجولة، وأنها ما لم تتعرض لكل هذه المنغصات فهناك عيب أو خلل. كثير من الأقارب يعتقد أنه إذا لم يخنقك بالأسئلة والتطرق لكل أمورك، فعلاقته ليست حميمية معك، وهذا سوء فهم كبير، لكن الأشنع منه هو أن نسلّم حقا كل تفاصيلنا وزمام أمورنا لما يقوله فلان، وما يشير إليه فلان فنبدو فعلا وكأننا «نحب من يخنقنا».
العلاقات وظروف الحياة الاجتماعية في الدول الشرقية حكاية معقدة وطويلة، لكنها في جميع الأحوال لا تعدو كونها «إفراطا» في التقارب الاجتماعي، وهذا الافراط، أخشى فعلا، أنه سيجعلنا -إن لم يكن جعلنا- نخنق بعضنا ونعجز -بكل أسف- عن فهم الحب والوئام الحقيقيين والشعور بهما من العمق.
يقول الفيلسوف الألماني نيتشه: «على الفرد أن يقاسي ليبقى حرا من هيمنة المجتمع، ستكون وحيدا وأحيانا خائفا، لكن الثمن ليس غاليا في مقابل أن تمتلك نفسك».