أمر الملك سلمان بالقبض على أحد الأمراء الشباب، وتوقيفه حتى يحاكم أمام القضاء على ما ارتكب من تعدٍّ وتجاوزات على بعض المواطنين والمقيمين بيده ولسانه، مع الأسف الشديد جدا. وأقول مع الأسف الشديد، لأن هذا المتجاوز المتهور ينتمي إلى الأسرة المالكة التي يجب على أفرادها -رجالا ونساء- أن يستشعروا مسؤولية مضاعفة عن باقي الأسر، نظرا لمكانتهم في عيون وعقول الشعب.
فالأسرة المالكة تحظى بكثير من التقدير والاحترام، ولا يليق بأي فرد من أفرادها أن يفعل ما يخدش هذه المكانة التي تتمتع بها في نظر الشعب، سيما أن كل أمير وأميرة -حتى صغار السن منهم- يعطون وضعهم في كل مناسبة وحفل، وهذا «بروتوكول» متعارف عليه ومُطبَّق في كل الأحوال والأحداث والمناسبات.
المهم، الذي أريد أن أوضحه هنا، أنه ما إن صدر هذا الأمر الملكي وأُعلن حتى ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بالثناء والإعجاب الممزوجين بشيء من الدهشة والاستغراب، حتى أن بعضهم عبروا عن غبطتهم مؤملين أن يصبح ذلك منهجا دائما!، وكأنه يحدث للمرة الأولى!، وهنا كنت أندهش وأستغرب من هؤلاء الذين يتمنونه منهجا مستقبليا، والحقيقة أنه منهج قديم ومستمر، وسيستمر، ولعل السبب الذي دفع هؤلاء أن يتمنوا بأن يبقى منهجا دائما، أنهم لم يعلموا عن مواقف كثيرة مماثلة لا تحصى، حوكم فيها أمراء وسجنوا مثلهم مثل الناس الآخرين في الوطن، بل وربما نال بعضهم عقوبة مضاعفة بتوصيات عليا، لأن كثيرا من كبار أسرة آل سعود يرون أن انتماءهم لبيت الحكم -كما قلت في البداية أعلاه- يجعل مسؤوليتهم مضاعفة في التمسك بفضائل الأخلاق ومحامد السلوك، وهذا صحيح، وهو واجب كل أسرة وهي تربي أبناءها وبناتها، وتحرص على ألا يقعوا في سيئ الأخلاق ولا شاذ السلوك!، فما بالك بأسرة ينظر إليها الشعب أنها قدوة مثل أسرة آل سعود الحاكمة!.
إنني أعرف، وأقول بكل ثقة وصدق: إن أمر الملك بالقبض على الأمير ومحاكمته، ليس جديدا ولا عابرا، بل هو قاعدة متبعة مع الأمراء والأميرات كافة، والفرق بين هذا الأمر وما سبقه من مواقف وأحداث، أن الأخير تم تصويره ووصل إلى وسائل التواصل، وعلم به معظم الناس فورا، أما المواقف والأوامر السابقة فلم يعلن عنها ولم يعلم بها إلا قليل من الناس، وربما لم يعلم بها إلا أطراف الأمر المعنيين به فقط، وأعتقد أن كثيرا من المواطنين لهم مواقف مع أمراء رفعوا عليهم قضايا وتمت محاكمتهم بصور طبيعية، وبعض هؤلاء المواطنين تعرضوا لما تعرض له المتضررون من الأمير المقبوض عليه مؤخرا من اعتداء وتجاوز، فأوصلوا أصواتهم إلى الملك أو ولي عهده، أو أمير المنطقة «ممثل الملك» فتم القبض على المعتدين وتأديبهم ومحاكمتهم.
والملك سلمان -منذ أن كان أميرا للرياض- كان الإعلاميون جميعا يعتبرونه صديقهم، بل أباهم، ولذلك يلجؤون إليه طلبا للعون أو الإنصاف من بعض الأمراء، خاصة العاملين أو أعضاء شرف الأندية الرياضية، فبعض هؤلاء الأمراء يحتاجون ترشيدا لبعض تصريحاتهم،وكان الملك -الأمير آنذاك- هو السند القوي لمن يتضرر من أي أمير، والرادع الحازم -وأحيانا القاسي- لمن يتجاوز من الأمراء، وأنا شخصيا لي مواقف كثيرة مع أمراء تجاوزوا في الكلام، بحكم عملي رئيسا لتحرير ثلاث صحف تباعا «البلاد، الوطن، الشرق»، وكان سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله - هو المحطة الأخيرة لتفكيك تعقيدات تلك المواقف، وإنهائها، ورفع ضررها عني، وأعتقد أن لدى رؤساء التحرير وغيرهم من الإعلاميين والكُتاب قصص كثيرة مماثلة.
ولعل الخلاصة التي أريد الوصول إليها، هي أن الأمراء والأميرات -ومع أن مسؤوليتهم كبيرة ومضاعفة عن غيرهم- إلا أنهم في النهاية ليسوا ملائكة، فهم بشر يخطئون ويصيبون، ولكن المخطئ منهم ينال عقابه، وهذا معروف ليس من الأسبوع الماضي، بل ومنذ قيام الدولة، وهناك قصص دَوّنها المؤرخون لمثول الملك عبدالعزيز بنفسه أمام القضاء، وبعضها رواها الملك سلمان وما فتئ يكررها بين الحين والآخر، للتدليل والتأكيد على أن القضاء لا يستثني أحدا منذ تأسيس الدولة، بل ولأن عدم الاستثناء هذا هو السبب الرئيس للعمل المتواصل المتراكم على إصدار مزيد من الأنظمة الهادفة إلى تكريس العدل، وتحقيق طموحات الشعب في محاكمات عادلة واضحة معلنة!.
والملك سلمان ومن سبقه من الملوك دائما يكررون أن من حق أي مواطن محاكمة حتى الملك، إذا كان له عنده حق!.
فبأي سبب بعد هذه الحقائق المعلنة، والتجارب الحية تندهشون!