عند الحديث عن الخصخصة، الكثير يسلط الضوء على محاسنها وكأن لدينا خبرات كبيرة بها، لا يعلم الكثير أننا بحاجة للمدح مرة والنصح والتحذير وتسليط الضوء عشر مرات، فطرق الرجعة أصعب بمئات المرات من الذهاب. نحن بحاجة لتوضيح مخاطر وتحديات الخصخصة والتي يمكن أن تواجهنا، والطرح يجب أن يكون موضوعيا وعلى قدر الحدث.
محاسن الخصخصة كثيرة، والخصخصة هي الطريقة النموذجية والمثلى لتطوير الاقتصاد وسوق العمل وتقديم الخدمات والمنتجات، الخصخصة هي خروج القطاعات الحكومية عن القيام بتنفيذ العمل في القطاعات الصحية والتعليمية والنقل وغيرها، والتحول من جهة تنفيذية إلى جهة تشريعية وتنظيمية ورقابية، وتحويل هذه الأعمال إلى القطاع الخاص. توجه المملكة في برامج التحول الوطني 2020 ورؤية السعودية 2030 يسير في هذا الاتجاه، ولا شك أن هذا التوجه سليم، ونحن متفقون مع «التوجه للخصخصة».
الخصخصة لها أهداف تتمحور في تطوير الجودة والأعمال وخفض التكاليف وتحسين الأداء وقتل الاحتكار والتجاوب مع وضع السوق وما يؤول إليه من تفرع ومن دمج واستحواذ، والتماشي مع وضعه مستهدفين الإنتاجية والاستمرارية والاستدامة والتنافس الصحي للسوق.
الخصخصة بحاجة إلى بيئة عمل جاذبة لتوليد الوظائف، فالقطاع الخاص الحالي لا يستهدف إلا الربحية القصوى على حساب تطوير الاقتصاد وتوليد الوظائف والمساهمة الفعلية في بناء الاقتصاد، وأكبر مؤشر على ذلك هو «عدم تنافس التجار على خفض الأسعار» وعدم قدرة القطاع الخاص على توطين الوظائف، وأقرب ترجمة لهذا هي الاحتكار والأنانية والجشع، والاحتكار يأتي بعدة أشكال، ومن أخطرها اتفاق المتنافسين (غير المعلن حتى بينهم) على رفع جماعي للأسعار وتمرد على برامج التوطين والسعودة واستغلال الثغرات في الأنظمة.
الخصخصة بحاجة إلى حوكمة، فوجود الثغرات التي تفتح مجالا للفساد هو أكبر عدو لتحول الخدمات إلى القطاع الخاص، وتسليم رقاب الناس ومصيرهم إلى تاجر لا يستهدف إلا الأرباح. لا يمكن أن نقوم على نقل خدمات أعمال تقدمها الحكومة إلى القطاع الخاص ما لم نقض على الفساد تماما.
يتساءل الكثير عن نوعية الخصخصة، وهي تأتي بعدة أنواع، منها صيانة وتشغيل، ومنها بيع أصول، ومنها شراكات وغيرها. وهذا سيضغط على التاجر، والذي سيرفع من الأسعار، ويخفض من الرواتب.
لا بأس من الإقدام على خصخصة الأعمال سواء كانت مستشفيات أو مطارات أو طرقات أو خدمات بلدية متى ما كان الاستعداد كاملا، ولا نتغنى بالأحلام وكأن لدينا تجارب وثقة بهذا الشأن، بل أخبرنا كيف تستعد لها وما هي خطوات الحذر وطمنا كيف سترتقي بنا إلى مقدمة الصفوف بين الدول.
تنفيذ برامج الخصخصة يجب أن يكون ممتدا على عدة سنوات، نصحح من طرقها وسياساتها وإجراءاتها وحوكمتها ونحن نسير في تطويرها، وخصخصتها في سنوات قليلة غير كافية لمعرفة نتائجها فتكون الأخطاء مكررة.
الخلاصة: الخصخصة ليست تخلصا من مسؤوليات وبيعها بأسعار عالية على التاجر، ونقلها له على أن يتحملها بينما نعلم جميعا أنه يستهدف فقط الربحية القصوى وخفض التكاليف. أول الضحايا في الخصخصة هو متوسط رواتب الموظفين والذي سينخفض إلى أكثر من النصف، ومن ثم الجودة والكفاءة.