في أمسية فندقية بمدينة «أبها»، كنت مع صديقي الراحل الشاعر «علي آل عمر» رحمه الله، نتحاور ونناقش الأديب والشاعر والإعلامي «راضي صدوق» بعد إحيائه أمسية شعرية في نادي أبها الأدبي، عام 1412، كنت وصديقي نجد صعوبة في الدخول إلى عوالم ذلك العملاق، وكثافة منجزه وحضوره المتراكم «شعرا ونثرا وإعلاما وبحثا ودراسات تاريخية». يقول عنه الأديب عبدالفتاح أبو مدين، «ناقد بصير، وكاتب قدير، وصحفي لماح، وكاتب سير، وقارئ تاريخ، سمعته يحاور الكبار مصححا ومعترضا وناقدا، فكانوا يضيقون من مداخلاته ويحتدون في الرد عليه، وهذا سلاح عاجز، وليس منهج عالم».
سألته عن معركته ونقاشه الرصين مع الدكتور «كمال الصليبي»، ونسفه نظريته المتهافتة، وأوهامه المشبوهة، والتي حاول خلالها إثبات أن أرض اليهود تقع في «جنوب الحجاز وجبال السروات من منطقة عسير» قال: «هي أباطيل واهية وساذجة، فالرجل اعتمد على «التوراة» ونصوصها، والتوراة ليست كتاب تاريخ حتى يعتمد عليه، و«التوراة» مليئة بالتناقض والاختلال والتحريف، لكن كلام «الصليبي» كلام خطير، لأن الصهيونية العالمية دخلت فلسطين تحت مظلة الحق الديني المزعوم، والحق التاريخي المزعوم، وهم الآن يحاولون أن يجدوا لهم حقا دينيا وتاريخيا في أي بقعة عربية أخرى.
قال له صديقي آل عمر: «قلت في ليلة تكريمك في إثنينية «عبدالمقصود خوجة» إن أمير الشعراء «أحمد شوقي» ليس مصريا، ولكنه فلسطيني من عكا فهل تشرح لنا هذه المعلومة؟ قال: «نعم هو فلسطيني، وقد سافر والده إلى مصر يحمل توصية من «أحمد باشا الجزار» والي عكا، إلى «محمد علي باشا الكبير»، وقال له: هذا من أتباعنا وجماعتنا، أرجو أن تجد له وظيفة عندك، واشتغل جد شوقي هناك، فشوقي ولد في مصر، ولكن أسرته من فلسطين، وهذا ليس اجتهادا مني، ولكني أملك الوثائق التي تؤكد ذلك، ليس هذا فحسب بل لدي وثائق عن الشاعر «معروف الرصافي» يمتدح في إحدى قصائده الصهيوني الأول «هيربرت صمويل» حين كان الرصافي أستاذا في مدرسة في القدس، قصيدة غريبة جدا وليست موجودة في أعمال الرصافي الشعرية، وأخرجتها وحصلت عليها من الوثائق الفلسطينية القديمة.
راضي صدوق في ليلة تكريمه في جدة، قال كلاما وكشف أسرارا أدبية لا تعرفها الأجيال، كسطو الشاعر «الأخطل الصغير» على نشيد للشاعر «إبراهيم طوقان»: «موطني الجلال والجمال والسناء والبهاء في رباك»، وأخير يقول «راضي صدوق» مازحا: اسمي خطأ في اللغة، وصحته «راض صدوق» كما يقول فضيلة شيخنا الكبير «علي الطنطاوي» رحم الله الاثنين، وأسكنهما فسيح جناته.