في مرحلة يمكن وصفها بالإفلاس السياسي جاء خطاب تميم قطر كنوع من محاولة إثارة الرأي العام الداخلي في قطر، واستدرار تعاطف الشعوب بجملة من التناقضات التي حاول تسميتها جاهدا في بداية خطابه بحديث العقل والوجدان. كان الخطاب يحمل في محتواه جملة من التناقضات التي في مقدمتها تسميته المتكررة للمقاطعة التي تقوم بها الدول المناهضة للإرهاب بأنها حصار، وهو يتنافى مع ما يدعيه أن قطر لا تعاني من أي انقطاع في توفر موادها الغذائية أو تجارتها العالمية، فكيف يكون الحصار حصارا وهي تتبادل السلع والتجارة مع دول أخرى. كما أن قرار المقاطعة من السعودية والدول التي أعلنت المقاطعة رفقتها لم يكن نتيجة رأي مرتجل ومتسرع أو دون سابق تلميح وتصريح ومراسلات دبلوماسية وسياسية مع نظام قطر حتى تتوقف عن دعم الإرهاب، وحينما لم تجد التحركات السياسية نفعا بدأت الدول الراعية للسلام بخطوات عملية ومعلنة من بيان رسمي وقرار مقاطعة لا ينطبق عليها ما ادعاه خطاب تميم من حصار أو تشهير.
في خطاب الاستجداء الشعبي لتميم الذي كان المأمول منه أن يكون متفقا مع متطلبات السلام العالمية والعربية، وأن يتفق مع ما دعت له الدول الراعية للسلام، تحدث عن: «تطلعات الشعوب العربية، والوقوف مع القضايا العادلة والتمييز بين المقاومة المشروعة للاحتلال»، وفيه يظهر أن النظام القطري يجهل أن من أهم القضايا التي تهم الشعوب العربية في المرحلة الحالية الوقوف ضد الإرهاب الذي أثقل كاهلها داخليا وخارجيا، فليس من العدالة إيواء الأحزاب الإرهابية بتصنيف دولي على أراضيها والوقوف ضد دول الجوار في حربها ضد الميليشيات المعادية في الدول المجاورة، أو التآمر على سيادة الدول الأخرى، والتدخل بالأساليب التخريبية في شؤونها ومصالحها الداخلية والخارجية، فضلا عن انتهاك المعاهدات الدولية والوثائق السياسية وعلى رأسها اتفاقية الرياض في عامي 2013 و2014، التي أظهرت مخالفة نظام قطر لكل ما ورد فيها، ونقضها للعهود مع جيرانها في الخليج.
من أكثر ما تردد في خطاب تميم ترنمه بحرية التعبير والإعلام المحايد، قاصدا بذلك قناة الجزيرة التي طالبت الدول المناهضة للإرهاب بوقف ما تقوم به من استخدام لسلطة الإعلام في تضليل الرأي العام وخدمة الأهداف الإرهابية للمنظمات والأفراد الذين تأويهم الدوحة، واستضافة الكثير من المنتسبين لتلك المنظمات أو المحرضين على سيادة واستقرار الدول الأخرى، أو بث تقارير وأخبار معادية لمحاولة كشف المحاور الأساسية في الإرهاب المنظم في المنطقة العربية، مع ما اشتهرت به الجزيرة منذ سنوات طويلة في التلاعب بالتقارير والتحريض المنظم على الدول الأخرى بما يخدم السياسة القطرية وتوجهها الخفي، وهذه السياسية التحريضية نددت بها وانتقدتها عدة صحف ووسائل إعلام عالمية محايدة، وصفت سياسة الجزيرة الإعلامية بالتحريضية والمعادية. فعن أي حرية تعبير يتحدث تميم إن كان ذلك التعبير مشوها ومعاديا ومحرضا على سلامة وأمن الدول التي لا تتفق مع سياسة قطر التي ترضي الأحزاب الإخوانية الإرهابية بالمقام الأول، وتقف معها ضد مصلحة دول الجوار في الخليج أو الدول العربية. ثم يجيء خطاب تميم في نهايته متبعا أسلوب استدرار العطف والبحث عن الشفقة من خلال التزييف أو المزايدة على قضايا مختلفة. فهو يقول إنه يأسف لما تسبب فيه ما أسماه بالحصار من الضرر بالشعب القطري وخاصة في الفصل بين العوائل الواحدة في قطر وفي دول الخليج التي تقاطع قطر حاليًا، وفي هذا مغالطة كبيرة وعدم إنصاف غير مستغرب على النظام القطري، ففي الحادي عشر من شهر يونيو الماضي وبعد أيام قليلة من بدء المقاطعة صدر توجيه الملك سلمان بن عبدالعزيز بمراعاة الحالات الإنسانية للأسر السعودية القطرية المشتركة تقديرا منه للشعب القطري الذي يعتبر امتدادا أصيلا للشعب السعودي، وخصصت وزارة الداخلية لتنفيذ هذا التوجيه رقما خاصا لتلقي هذه الحالات والتعامل معها بما يتناسب. وكذلك فعلت دولتا البحرين والإمارات. وفي ذات السياق فإن الجمارك السعودية استثنت دخول السلع الغذائية إلى قطر، وصدرت التوجيهات كذلك بتسهيل دخول وخروج المعتمرين والحجاج القطريين وتقديم كافة التسهيلات لهم التي تقدم لجميع ضيوف الحرمين الوافدين على المملكة. أسف تميم في خطابه لما ادعاه من تضرر الشعب القطري من الفصل بين العوائل المشتركة في الخليج تلقفته أبواق الإعلام المضلل وعلى رأسها الجزيرة، التي تنشر تقارير كاذبة ضمن نشراتها الإخبارية عن بعض الأسر وعن مدى ضررها مما تسميه حصارا، في محاولات مستمرة لتضليل الرأي العام داخل وخارج قطر وتزييف الحقائق كعادتها.
محاولة التعاطف التي ختم بها تميم خطابه لكسب التضامن الشعبوي بذكره لقضية أحداث المسجد الأقصى الأخيرة في نبرة تحاول المساواة بين زيف الادعاءات في خطابه وبين قضية الاحتلال الإسرائيلي، بينما علاقة قطر بإسرائيل السرية الدافئة لا تخفى على المتتبع للحالة السياسية القطرية، كما أن نظام بلاده يستضيف حزبا فلسطينيا إرهابيا لا تعنيه قضية وطنه وتحريره من سلطة الاحتلال بقدر ما تعنيه خدمة أجندته الإخوانية الإرهابية.
قد يكون نجح تميم إلى حد ما في كسب التعاطف من الشعوب التي اعتادت أن تسلم قناعاتها للخطابات المستجدية للشفقة والتعاطف والتي تسلم وعيها للإعلام المحرض والمشوه للحقائق باستخدام وسائل محترفة، ولكنه لن ينجح في إنكار الحقائق أو محاولة حجبها، فالحقيقة كالنور مهما حاصرتها الظلمة ستنتصر يوما.