عودا إلى موضوع الرّق الذي تجدد كما نعلم مع دولة داعش. الموضوع مؤلم من أكثر من جانب، وأول جوانبه أن الرّق الذي وقع أكثر ما وقع على نساء الإيزيديين الذين قتلوا واسترقت نساؤهم وأطفالهم، وقدمت «داعش» بهذا أبشع صورة للإسلام، عندما أحيت أسواق النخاسة!. من جهة أخرى، ثار سؤال كبير: ما الذي دفعهم إلى هذا الأمر؟
ففي الصراعات الحربية، تذهب النساء والأطفال والشيوخ ضحايا، ولكن ضحايا السبي بين عيني وسمع ويدي الإعلام، تجعل السؤال: لماذا كان السبي خيارا مع النساء والأطفال؟
هناك قصص لم تظهر بعد، وكثير منها أريد لها ألا تظهر، بل وبعض ما صور عن الإساءة للنساء واستدراجهن، واجهه رفض شديد ممن قالوا إن ما صور في مسلسل «غرابيب سود» لم يكن حقيقة!.
في ظني، أن الرافضين تصديق ما حدث، لا تتقبل عقولهم وقوعه، أو ربما ما يزالون يحاولون الدفاع عن فكرة الخلافة المزعومة!
الأمر الثالث، لا نعلم كم من النساء ذهبن ضحايا لهذا الأمر، لكننا على يقين أن وجود نساء للخدمة وغيرها كان مطلبا، وأذكر أني سمعت تسجيلا لسيدة تتحدث عن سبْيِها وكأن زمن السبي لم ينته يوما!. وهنا سؤال: لماذا تقبل رجال ونساء في مساحة ليست بالهينة فكرة السبي؟
الدكتور محمد شحرور يرى أن الاسترقاق بدأ في عصور متقدمة، مرجحا أنه في زمن نبي الله صالح كان موجودا، ويستدل ببناء مدائن صالح، لأن هذا العمل من نحت الجبال لا يقوم به إلا الرقيق، وهذا يستحضر أيضا بناء الأهرامات ومن مات في نقل صخورها الضخمة.
والرّق تاريخ غير مشرف للبشر المسترِقين -بكسر الراء لا المسترَقين بفتحها-، لكن لم نتصد لها ثقافيا ونستنكرها، بل ما نزال نتعايش معها كنعت للون من الألوان، أو لأصل من الأصول.
بشاعة الإنسان لم تتجسد في استرقاق بشر مثله، وتكليفه بالأعمال الشاقة، بل أيضا وصلت إلى البطش أو تصالحت معه، والذي يصل إلى القتل ولا يملك غير المالك أن يتدخل أو يحاسبه، فعُذب بلال حتى اشتراه أبو بكر الصديق، وقُتلت سمية تحت التعذيب لأنها آمنت، وهذا مؤشر على شدة التحكم التي تصل إلى المعتقد! وإن سلّمنا أن المالك يملك وقت وجهد مملوكه، فكيف يمكن أن يملك معتقداته؟!
يمكن أن نقرأ الرق من واقع طغيان بعض البشر على بعض، حين يملكون سلطة ما أي سلطة، فمن المؤسف رغم التحضر والمدنية، أن يتعامل بعض الناس مع الخدم اليوم بعقلية الرقيق من شعور بالامتلاك ونظرة مشبعة بالدونية!.
أعود إلى تاريخ الرق المعروف، وأقول إن الرق لم يكن خيارا في الحروب فقط، بل تحول إلى تجارة تعتمد على اختطاف البشر وبيعهم، وفي رواية «قلب من بنقلان» يروي المؤلف قصة اختطاف والدته وبيعها وهي أميرة بلوشية من أصل عربي، انتقاما من والدها. وفي القصة إشارة إلى تاريخ الرقيق الأبيض القادم من آسيا غالبا، والذي كان أيضا يعتمد على خطف البشر.
عن تاريخ الرق تذكر ويكيبيديا «وفي القرن الـ15 مارس الأوروبيون تجارة العبيد الأفارقة، وكانوا يرسلونهم قسرا إلى العالم الجديد ليفلحوا الأراضي الأميركية».
تاريخ أميركا ونقل الرقيق إليه من أشد تواريخ الرق سوادا، وكانت سواحل إفريقيا ساحة له، فقد كان تجار الرق يخطفون سكانا من المدن الساحلية غالبا، لتحمل السفن منهم أعدادا هائلة فوق طاقتها، تتركهم ليموت من يموت في عرض البحر، ومن يبقى ويصل يكون خياره في الحياة أشد سوادا من موت رفاقه، وقصة فيلم «الجذور» تروي حقيقة اختطاف بطلها من إفريقيا وحمله مع مئة غيره لم يصل منه سوى أربعين إلى أميركا، والبقية ماتوا في الطريق، وأُلقي بهم طعاما للأسماك!
بهذه البساطة تم تعامل تجار العبودية مع حريات البشر لعقود، وساء التعامل أكثر مع الحاجة إلى أعمال شاقة أكثر، لكن دولا أوروبية منذ مئتي سنة أعطت للرقيق حريته، بل وانتقلت لمحاربة تجارته «فكانت القوات البحرية الفرنسية والبريطانية تطارد سفن مهربي العبيد منذ أكثر مما يزيد على مئة عام».
نقطة مهمة جدير بنا أن نذكرها ونعود إلى فكرة الرق في «داعش» التي كانت تضم أطيافا من العرب وغير العرب، كيف قبلوا ببساطة عودة الرق وربطه بالإسلام؟!
وأذكر قبل أشهر قريبة أن سيدة وضعت صورة تتباهى فيها بالفرق بين ثياب أسرتها وثياب عبيدهم!
ولا تستغرب إن قرأت من يتباكى على سهولة الحصول على خدم أيام الرق! أو من ينعت أو يشتم بألفاظ العبودية!
ختاما، لعلي أعود إلى الموضوع بشكل مختلف، لكن ما حدث من فكرة إحياء الرق في «داعش» تجعلنا في مواجهة مهمة مع دعم حقوق الإنسان وحريته واحترامه، والتي يجب أن تكون وعيا مجتمعيا يتأبى على الزوال.