خبا ضوء اللهب الذي كانت تشعله في كوبنهاجن حرارة الجدل على ظاهرة الاحترار العالمي وقضية الانحباس الحراري. فبعد المداولات الساخنة هناك، ثم انهيار المفاوضات، خرج المؤتمرون بخفي حنين، وقرارات هشة في ورقتين، لم يرض عنها أحد، ولم تحقق هدفا. وزاد ذلك سوءا، انصراف وسائل الإعلام إلى مواضيع أخر، أكثر شعبية وإثارة.

ذهبوا في ديسمبر من العام الماضي إلى كوبنهاجن وتبعهم الآلاف من الناشطين و"الدراويش" يرددون الهتافات، ويرفعون الشعارات ويتظاهرون في شوارع كوبنهاجن بينما درجات الحرارة دون الصفر. وتفاعلت معهم وسائل الإعلام واستضافت رموزهم، وتناولت مخاوفهم واهتماماتهم وطرحتها للنقاش على الأوراق والشاشات، والتقت المسؤولين الممثلين لبعض الدول المشاركة وحاورتهم، وكانت وقتها زوبعة إعلامية لكن في فنجان.

واليوم يجتمعون في دفء كانكون بالمكسيك. وللمفارقة، تسقط الثلوج على أوروبا بمعدلات لم تشهدها القارة منذ عقود، وتتدنى درجات الحرارة إلى ما دون العشرين تحت الصفر، ولا يزالون يتحدثون عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب! كان أولى أن يجتمعوا في يوليو، الشهر الذي شهد ارتفاعا غير مسبوق في درجة حرارة كثير من دول العالم. سيقضون أياما في منتجعات كانكون الساحرة، ليناقشوا ما لم يحققوه في كوبنهاجن، "كل شيء"، ويأملون في صياغة خلف لبروتوكول كيوتو، المعاهدة اليتيمة في مسيرة الحرب على ظاهرة الاحتباس الحراري، والتي ينتهي العمل بها في 2012.

يتساءل المرء: هل هم فعلا مؤمنون بأبعاد الكارثة كما يصفونها؟ وهل هم حقيقة جادون في حلولهم التي طرحوها، ويخشون زوال الكوكب بسبب ارتفاع تركيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، كما يرددون! أم إنها تحويلة على الطريق لصرف الأنظار، وإخفاء المقاصد الحقيقية من سعيهم؟

يقول رئيس جمهورية المكسيك فيليب كاليدرون إن اختيار كانكون جاء ليخدم المدينة سياحيا ويسلط الضوء عليها. هذا هو السبب وليس لكي تلهم شواطئ كانكون الدافئة المؤتمرين، ويذكرهم سحرها بما يمكن أن يخسره العالم من ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.

وتروي الخسائر في قيمة أسهم شركات الطاقة البديلة قلق الاقتصاديين والرأسماليين في الغرب من تراجع الاهتمام بظاهرة الاحترار العالمي وما يتبعه من عزوف للمستثمرين في هذه الصناعات التي تقدر اليوم بمليارات الدولارات. خسرت فيستاس ويند سيستم، أكبر مصنع للتوربينات الهوائية 9% من قيمة أسهمها بعد كوبنهاجن مباشرة. وكانت خسارة أكبر مصنع للخلايا الضوئية، فيرست سولار 16%.

هل أهمية الموضوع وفاعلية الحلول المقترحة هو ما يحرك الأمم المتحدة؟، أم إنها في ركب الذين سيسوا الظاهرة واستخدموا أوراقها للضغط على دول ناشئة مثل الصين والهند؟ وإيقاف دفق السلع المنافسة لصناعتهم وتهديد اقتصاداتهم، أو مع هؤلاء الذين ركبوا موجتها لتحقيق مكاسب مادية في برامج تجارة الكربون والترويج لبضاعتهم من الطاقة البديلة؟

لن ينجحوا في كانكون. يؤكد ذلك رئيس سوق الكربون في بنك أميركا مريل لينش، إذ يستبعد توقيع معاهدة قانونية ملزمة لمحاربة الظاهرة. ويقول مايكل ليبريتش، المدير التنفيذي لبرنامج بلومبيرج لتمويل مشاريع الطاقة البديلة، "سنبقى في مناقشة المناخ لخمسين عاما قادمة". ويقول أحد الصحفيين في الجارديان "إن غاية ما نأمل في كانكون، أن يبقى المؤتمرون مستيقظين خلال اجتماعاتهم".

ويعتقد رئيس وزراء إثيوبيا مليس زيناوي، منسق مجموعة الدول الأفريقية العشر في برنامج التغير المناخي، أن القمم في كوبنهاجن، وفي كانكون بالمكسيك هذا العام، وفي جنوب أفريقيا العام المقبل لن تحقق شيئا، ويتساءل مخاطبا المشاركين في منتدى التنمية الأفريقي السابع " إذا لم تكن هناك فرصة للنجاح، أو أمل، فما هو المغزى من عقد القمم، وهدر المعونات والأموال العامة"؟. هذا كلام من ساهم في تطوير البرنامج الأفريقي الشامل لظاهرة التغير المناخي، ونسق مؤتمر وزراء الطاقة الأفارقة لنفس الموضوع!

كان أولى أن تبقى الوفود في بلدانها لتوفير الجهد والمال، وبصورة أهم لتخفيض كمية الغازات الدفيئة وما ينفثه العادم من طائراتهم الخاصة، وما تطرحه مداخن الفنادق والمنتجعات من ملوثات إلى البيئة الهوائية بسبب إقامتهم.

من العجيب أن تشارك حكومة الولايات المتحدة الأميركية بعدما قررت السماح لشركات النفط، (المتهم الرئيس) بالتنقيب في المياه، القرار الذي جاء بعد حادثة شركة بريتيش بتروليوم قرب شواطئ فلوريدا، وخيب آمال من فرح بقرار سابق يحظر التنقيب في البحار. رُفع الحظر، قبل أن يجف مداد قراره، لكنهم أضافوا هنا شرطا للترخيص، "على الشركات تقديم ما يثبت قدرتها على التعامل مع الطوارئ"! ليس أكثر من تهريج في كرنفال حماية البيئة ومهرجان الاستدامة.

وبعد أن عارض الكونجرس كل إجراء للحد من الظاهرة.

وأعجب منه أن تشارك الحكومة الكندية وهي التي تدعم استخراج الزيت من أكوام الرمال النفطية، والصين والهند اللتان يزداد نهمهما على النفط والطاقة يوما بعد يوم، وأن تشارك الدول التي تعتمد في اقتصادها على تصدير النفط، وتخشى على مواردها المالية، ويضاف إلى ذلك الركود وأزمة الاقتصاد العالمي، فأنى يجمعون رأيهم؟ الكل هناك لتحقيق مكسب أو درء خسارة محتملة، أما حماية الكوكب والحفاظ على البيئة فليس أكثر من شعار نرفعه للتضليل!

هناك من يجزم بأن مصير كانكون لن يكون أحسن حالا من كوبنهاجن، وهناك من يسعده الفشل، لأنه لا يرى في المحادثات سوى النفاق، ومؤامرة أخرى على البيئة!