معظم ما يثار في الإعلام الغربي يمكن تلخيصه أنه هجوم تلو هجوم على أي تصرف أو قضية أو موقف تتبناه المملكة، فمن الاتهامات بخصوص ما يقال إنها خروقات في حرب اليمن، إلى الأسباب التي تقف خلف موقف المملكة من قطر للعوامل التي يسمونها معركة الهيمنة ضد إيران، كلها تجد تحليلات وتعليقات من أكبر وسائل الإعلام الغربية تضع المملكة في موقف سلبي.
الأسطر أعلاه هي بالمختصر ما أراه من خلال متابعتي اليومية في الشهر الأخير للإعلام الغربي، خصوصا حول الواقع السياسي المحيط بالمملكة، وعلى قدر قساوة هذا الواقع علينا ألا نكابر بالقول إن ذلك لا يهمنا، بل علينا أن نحكم العقل ونقرأ السياسة، وفن خلق المصالح وإدارتها بشكل واقعي، فحروب اليوم لا يمكن الانتصار بها إلا بمساندة أكبر قدر ممكن من الدول وتعاطف أكبر قدر ممكن من الشعوب، ومن أهم وسائل تحقيق ذلك هو إقناع الإعلام بما أنت مقتنع به وتدافع عنه.
في تقديري يعود سبب استمرار خسارتنا المعركة الإعلامية العالمية حتى الآن لعدة عوامل جلها نابع من طريقتنا نحن في التعامل مع الواقع إعلاميا لا بسبب ضعف مواقفنا أو عدم أحقيتها، فأول تلك العوامل يكمن في ضعف الماكينة الإعلامية السعودية دوليا، وتحديدا في عواصم القرار العالمي، فلا يوجد إلا عدد محدود من المعلقين والباحثين ذوي الكفاءة من المؤيدين للموقف السعودي في مراكز البحوث الغربية الذين لديهم القدرة الفكرية والدعم المعنوي للدفاع عن مواقف المملكة وتبيانها باللغة والمنطق الذي يفهمه الغربي، بينما يعمل الخصوم بشكل معلن وخفي من أجل التأثير على أروقة القرار السياسي منها، والتخطيطي بطريقة استطاعت لوي الحقيقة لخدمة مصالحها وتقديمها للإعلام الغربي على أنها الحقيقة!
أما العامل الثاني فهو أننا نعتقد أن ما يصدر من بيانات رسمية من قبل الدبلوماسية السعودية كافٍ لإقناع الإعلام الغربي، وبالتالي الشارع والمشرع والسياسي الغربي، وهو أمر غير صحيح تماما، ويعرف ذلك السياسي السعودي قبل غيره، فلعبة السياسة الدولية تتطلب أن تكون هناك أدوات وقوى خفية ومعلنة تعمل باتجاه الضغط بكل الوسائل من أجل تغيير الانطباع العام حول أي قضية، لأن الكلمات الدبلوماسية الرسمية دائما ما تحمل مواقف الدول والتي لا تقنع بالضرورة الإعلامي الغربي، وبالتالي فإن المصادر غير الرسمية من أصحاب الرأي والباحثين والإعلاميين المستقلين الذين يتعطش لهم الإعلام الغربي لسماعه لمعرفة خفايا الأمور، ما زالت مغيبة من طرفنا وغير مستثمرة.
في حين يكمن العامل الثالث في أنه لا توجد لدينا استراتيجية إعلامية موحدة وواضحة المعالم والأهداف لمخاطبة العالم، وسأزيد إن قلت إن جل مواقفنا الإعلامية اليوم في التعاطي مع الأزمة القطرية موجهة في المقام الأول للداخل الخليجي، بينما معظم ما نقرؤه ونسمعه في الإعلام الغربي يرتكز حول الموقف القطري، وذلك ربما يعود لأسباب أوضحت منها في مقال سابق، ورغم وجود مجهودات من هنا وهناك للإخوة الإماراتيين في مخاطبة الإعلام الغربي إلا أنه جهد نابع من ردة الفعل لا من خطة استراتيجية محكمة لديها أهداف واضحة تعمل على تحقيقها ضمن خطاب الدول الأربع المقاطعة.
ما سبق ليس جلدا للذات، بل جلد الذات أن نقنع أنفسنا بأن العالم مقتنع بما نقول، بينما هو يرى الأمور بشكل مغاير، فصناعة التأثير اليوم لا يمكن أن تحقق إلا بسلاح إعلامي عابر للقارات، أما الأسلحة المحلية فهي قوية بقدر قوة صوتها العالي لا بقدرتها على التأثير الحقيقي.