لطالما كان يردد نقاد الفن الروائي بأن الرواية ليست إلا صياغة لغوية أدبية للحياة..

يقول إدوين موير: «الرواية صورة الحياة».

ويؤكد إ. م. فورستر على أن «الرواية إحدى الاحتمالات اللغوية لحكاية الحياة».

وما دام الأمر على هذا النحو، فجربوا معي مقاربة حياتكم بأحد شكلي الرواية (الرواية التقليدية البدائية أو الرواية الناضجة المتطورة)، فيمكن أن تعيش لحظتك الإنسانية بشكل بدائي

ممعن في التقليد والسكون.

إن كانت روايتك الفنية المطابقة هي الرواية البدائية الأولى.. على النحو الآتي:

تحب أن يكون صوتك النداء وغيرك الصدى، وألا صوت يستحق أن يجاري صوتك أو يناديه، أو أن تكون واقعا بخنوع واستسلام وسعادة لعالم يهيمن فيه الصوت الواحد.. الصوت المستبد المتسلط، لأن الرواية من النوع البدائي يسيطر على صياغتها السردية وتعدد شخصياتها الصوت الواحد الذي منه تنطلق الحكاية، وبيديه تتحرك كافة الأحداث وإليه تتجه أشعة (رؤية) الرواية للكون والإنسان والحياة..

وإذا كان يطغى على شخصيتك السكون والرتابة، فإنها ذاتها الشخصية النمطية (البليدة)، التي لا يطلب منها في رحلتها مع الحياة سوى أن تقدم أنموذجا واحدا، أو مثالا محددا من تمثلات الحياة!

أما لو كنت رهينا لتأثيرات خطاب بعينه، هو من يتكفل بتحديد وجهة نظرك الأولى والأخيرة والنهائية للكون والموجودات والأفكار من حولك، فإنك تعيش الرواية التي تفتقر إلى تجليات نصوص متنوعة، ينتج عنها ثراء الحياة وتعقيداتها المحببة، التي تمنح لإنسانها دهشة التقاطعات.

(تخيل لو كانت حياتك رهينة لخطاب سياسي وحيد تتبناه مجموعة محددة في هذا الكون الرحيب، ولا شيء سوى ذلك من خطابات أدبية وثقافية وفكرية وفنية.. أي فقر في المعرفة والسلوك يجتاح حياتك فيجعلها قاعا قفرا مجدبا لا أمل فيه ولا حياة)!

كذلك.. فإذا كانت نظرتك للمكان الذي تعيش فيه وسيلة فقط للملمة نفسك، وسترها عن الأعين المتربصة، فإنك تتجه بذلك نحو غاية نفعية لا تمنحك في (عيشك) الفرح والبهجة والحميمية التي تنبثق عادة من الجدران (الإنسانية)، وتكون قد تواطأت مع المكان في الرواية البدائية، الذي يجهز على عجل لتصعد عليه الشخصيات، وتدلي ببياناتها الدعائية الانفعالية الممعنة في المباشرة والتقرير..!

أما لو قاربت حياتك بجد الرواية الحديثة المتطورة، فإنك تكون في الاتجاه الصحيح، الذي تكون قد انتقلت فيه -وفي كل مرة- من المربع الأول إلى المربع الذي يليه.. تفاعلا مع نهر الحياة المنهمر.

كأن تستجيب نبرة صوتك لعلو أصوات أخرى، لها الحق في الظهور والانطلاق، أو تكون البيئة التي تحتضن حياتك مجردة من صوت المستبد الذي (تنخرس) في حضرته جميع الأصوات الممكنة!

من جهة أخرى، فإن شخصيتك تكون داخل هذه الرواية من ذاك النوع المتحول، الذي يستجيب بتفاعل آسر مع المتغيرات والتطورات التي تصادفنا بها الحياة كل لحظة! بل إنها تتجاوز التنميط المحدد، لتقدم نفسها شخصية إنسانية خالصة، تتوافر على مزيج هائل من الأنماط والكيفيات والمتقابلات الطبيعية في كل مرة..

وبالنسبة للكيفية التي تتفاعل بها حياتك مع الخطابات والنصوص والأفكار في هذا العالم (الرواحياتي)، فإنها تمثل أرقى درجات الحوارية التي تجعل حياتك فضاء لتراجيع نداءات متنوعة، تمنح عالمك الثراء المعرفي والإنساني والفني الذي من شأنه أن يجعل منك شخصية حوارية جاذبة مشوقة إلى آخر مدى.

أما المكان الذي تعيش داخله في تلك الرواية/ الحياة، فهو المكان الذي يكتسب قيمته من ذاته، من أصدائه وأمدائه وجمالياته الخاصة.. المكان الذي يمتزج بعبق أرواح الشخصيات التي تعيش داخله، فيصيران معا نسيجا واحدا متسقا، داخل علاقة حميمية لا تنفك عراها على امتداد الزمن.. ليس هو المكان الذي يعود إليه الإنسان لينام، ثم يغادره على عجل.. مجردا من أي أثر أو ذكرى أو حنين!

إنها مجرد (مقاربة تجريبية) بين الأدب والحياة، لعلكم تريحون بها أدمغتكم الملتهبة من أحداث السياسة والاقتصاد، التي لم يعد لنا شاغل سواها، مع تراكم تجلياتها وسرعة حركيتها، في الزمن الجديد.