يتخرج من جامعاتنا ومبتعثينا تقريبا 6 آلاف سنويا من طلبة الأقسام الهندسية في السنوات الأخيرة، وهذا العدد قليل جدا، ومع ذلك يواجه بعض خريجي وخريجات الهندسة بالمملكة مشاكل في التوظيف لضعف الطلب على الأعمال الهندسية، بينما يعمل في المملكة حوالي 185 ألف مهندس غير سعودي مسجلين حاليا في الهيئة السعودية للمهندسين. أيضا وبحسب تقرير الهيئة العامة للإحصاء يعمل بالمملكة 2.5 مليون من الوافدين في «المهن الهندسية الأساسية المساعدة»، منهم 32 ألفا أعمارهم تجاوزت 60 عاما، هؤلاء أعمالهم مرتبطة بأعمال هندسيين بشكل أو بآخر، أو على الأقل كثير منهم، ألا نستطيع أن نوطن وظائف لـ5 آلاف سعودي؟
طبعا المقصود بالتخصصات هي الهندسة الكهربائية والميكانيكية والكيميائية والبترولية والصناعية وهندسة النظم والهندسة المدنية والمعمارية وغيرها.
قبل الخوض في هذا الموضوع المهم، يفترض من الهيئة السعودية للمهندسين أن تحتفل بكل خريج جديد، وتعمل له اختبارات تأهيل بغرض إكمال النواقص من إعادة تأهيل أو توفير نواقص لم يكملها الطالب في الجامعة لأي سبب كان وتجهيزهم لسوق العمل. خريج الهندسة في أضعف أحواله يكون أكمل 80% من التأهيل، فلماذا لا نهتم به ونكمل تأهيله. الهيئة مشكورة بدأت مؤخرا برامج تأهيل وإعادة تأهيل، ولكنها بحاجة إلى مضاعفتها وتضمينها ضمن أعمال متكاملة شاملة التوظيف وقيادة القطاع الخاص الهندسي.
لا يكاد أن يصدق أي منا أن خريجات الهندسة في الجامعات الحكومية السعودية لا يصنفن «مهندسات» لعدم اكتمال جميع مواد التأهيل الهندسي ضمن برامج الهندسة في جامعاتنا!! إذا لماذا نخرجهن؟ هذا بحاجة للمراجعة من قبل التعليم بمتابعة من الهيئة السعودية للمهندسين.
هناك بعدان للبطالة الهندسية، الأول التعامل مع المشكلة الحالية، وحلها سهل، فوزارة العمل والتنمية الاجتماعية تحدثت عن رفع نسبة التوطين في الوظائف الهندسية قبل أشهر قليلة إلى 35%، وهذا القرار بحاجة للتفعيل (مجدول للتفعيل خلال شهرين)، وهو كفيل بحل المشكلة للمتعطلين الحاليين وأيضا توظيف المهندسين خلال السنوات الخمس القادمة. نحن بحاجة لتوجيه وتفعيل القرار للتطبيق بأسرع وقت ويقوم على تنفيذه وزارة العمل والهيئة السعودية للمهندسين، ويجب ألا نطيل الحديث عن الموضوع هذا لأنه سهل وممكن ويحتاج إلى تفعيل للأنظمة وربما إعادة تأهيل وتجهيز بعض المهندسين والزج بهم في سوق العمل.
أما البعد الثاني للموضوع، فالأعمال الهندسية هي أحد أهم الأسس للتوظيف في الدول لجميع التخصصات، وأحد أهم الركائز لتطوير الاقتصاد في جميع دول العالم. الأعمال الهندسية الحالية في المملكة هي تقريبا «تشغيل هندسي»، أي أن المهندس الكهربائي والميكانيكي والبترولي وغيرهم في المعامل (مثل معامل أرامكو وسابك والكهرباء والاتصالات والأسمنتات وغيرهم) يعملون على التشغيل الهندسي للمعدات والأجهزة بعد استيرادها من الخارج، هؤلاء المهندسون لا يصنعون هذه الأجهزة في المملكة محليا، وهنا تكمن المشكلة الحقيقية للبطالة الهندسية والبطالة غير الهندسية.
الرسالة التي دائما أريد إيضاحها أن القطاع الخاص والذي نعول عليه في تطوير الاقتصاد وتوليد الوظائف لا يختار نوعية أعمال شركته لهذا الهدف، والقطاع في مجمله يستهدف الربحية القصوى والاعتماد على العمالة الرخيصة وغير السعودية، ويعتمد أيضا على الدعم الحكومي متمثلا في أراضي المدن الصناعية وخدماتها والإعفاءات الجمركية، ويعتمد على ضعف الأنظمة وثغراتها. القطاع الخاص كما هو اليوم لن يكون الشريك الاستراتيجي في تحقيق برامج التحول والإصلاح الاقتصادي والتنموي ورؤية السعودية 2030، القطاع بحاجة إلى أنظمة تجبره على التطوير، والإسهاب في هذا الموضوع يحتاج إلى مقالات منفردة.
الوظائف الهندسية أحد أهم الوظائف التي تخلق الفرص الوظيفية الأخرى، فالمنشأة التي تستوعب 5 آلاف مهندس في التصنيع الحقيقي ستولد 50 ألف وظيفة للفنيين وآلاف الوظائف للإداريين والمحاسبين والأقسام الأخرى، هؤلاء يكونون عوائل ويحتاجون إلى معلمين وأطباء وقطاعات صحية وأسواق وتجزئة وترفيه وخدمات والقائمة تطول، إذا الوظائف الهندسية والتصاميم هي المحرك الأساسي لبقية الوظائف.