في واشنطن، وبالتحديد في منزل أخي، بكى ابنه عبدالله ذو التسع سنوات كثيرا حينما أخبره والده بأنه لن يذهب إلى المدرسة ليحتفلوا بعيد الأضحى. في الرياض ومن غرفة ابنتي ذات التسع سنوات أيضاً، بكت هي الأخرى تماما مثل كل يوم وتوسلت إليّ ألا تذهب إلى المدرسة، وعندما رضَخَت أخيراً للأمر الواقع كشفت لي عن أول عمل ستقوم به عندما أموت والمتمثل في تقطيع كتب المدرسة وعدم الذهاب إليها مطلقاً.
فداحة ناتج المقارنة بين ردة فعل كل من الطفلين قضية لو أن أولي البأس منا ولوا وجوههم إليها لما كان هناك غرب تشرق عليه الشمس قبل مشرقنا. لِمَ نلوم طلابنا أولئك الذين يرتدون الحزن ويحملون الكثير من الكره في حقائبهم المدرسية للدراسة، ولِم نوبخهم كلما ازدادت صدورهم ضيقاً ووجوههم كدراً بدنو أجل ذلك السبت المشؤوم؟
حينما تكون المدرسة جنّة الطالب كمدرسة عبدالله في واشنطن، نعلم تماما أن الهدف المتمثل في التربية والتعليم يتم بصورة مشوّقة وسلسة، من خلال وسائل تعليمية جذابة وممتعة في بيئة مريحة وآمنة وعلى أيدي خبراء في التربية يجيدون التعامل مع نفسية الطالب وعقليته معاً. وعندما يسترجع الطالب ما درس خارج سور المدرسة، وقتها فقط ندرك أن المادة العلمية المدروسة قد حاكت واقعه وتركت أثرا إيجابيا في حصيلة تجاربه وإلا لما رسخت واجتازت اختبار النسيان.
انشغلت تلك المدارس بصلب العملية التعليمية وكيفية تحقيق النجاح في صناعة الإنسان في الوقت الذي انشغل كثير من مدارسنا بإعداد التعليمات المدرسية التي تُتلى على الطلاب في طابور الصباح، وتصميم الزي المدرسي الذي يُجبرون على ارتدائه كل يوم من كل سنة دراسية، وإطالة قائمة الممنوعات، والتفتيش على حقائب الطلبة وجيوبهم للقبض على تلك الممنوعات، وما إذا كانت صورة أحد أبطال "هاي سكول ميوزيكال" قد طُبِعت على مسطرة ليتم كسرها أو مصادرتها، وهل تم نسخ المادة العلمية بالدفتر وتجليد ذلك الدفتر وإحضاره في كل مرة أم لا.
صرفت قشورنا المدرسية تركيز وجهد التعليم عن أركان العملية التربوية والتعليمية في نظامنا التعليمي، ولعله إذن سيبقى هدفنا الحشو وإفراغ ذلك على ورقة الإجابة، ووسائلنا هي الفم والأذن ومعمل مغلق، على أيدي معلمين قد يتسببون في نوبات بكاء تنتشر صباح كل يوم مدرسي في كثير من البيوت كما هو الحال في بيتي.
تجدر الإشارة أخيراً إلى أن المدارس حيث يسكن عبدالله والتي تفوقت على مدارسنا في تحقيق أهدافها هي مدارس حكومية لا تُلزم الأهالي بأي مبالغ أو طلبات، بينما تتنافس مدارسنا الخاصة في ابتكار وسائل جديدة لاستنزاف جيوب الأهالي كمضاعفة الأقساط وبيع الكتب والدفع الكامل مسبقا بغض النظر عن تلك الحكومية والتي تحتضر تحت أنقاض بعضها حينما سقط عليه بعضها الآخر.