القيادة تولد مع الإنسان، والإدارة قد تعطى لأي إنسان، يمر عليك في حياتك كثير من المديرين/‏ المسؤولين، والعدد القليل من القادة الأكفاء، فالناظر في واقع الحال لا يمكنه أن يغفل حقيقة غياب المعايير، والأسس، والمؤهلات المطلوبة في اختيار المدير/‏ المسؤول.

إن غياب تلك المعايير، والأسس، والمؤهلات في اختيار المديرين/‏ المسؤولين أسهمت بشكل كبير في تدني كثير من الخدمات، وتردي كثير من القطاعات، وخسارة كثير من الشركات، ففي غالب الأحيان يقع الاختيار بناء على العلاقات الشخصية، والاعتبارات غير الموضوعية، ولا يتم الاختيار بناء على الكفاءة، والخبرة بكل موضوعية، وتجرد، والأمثلة هنا كثيرة سأكتفي بذكرها على وجه العموم.

يعين مدير/‏ مسؤول، فيعزل، ويعين غيره، فينقل، ويقع الاختيار على أحدهم، فيتم تحويله لمستشار، حتى إن كثيرا ممن تقلدوا المناصب في السابق تعدوا سن السبعين، ويتم في بعض الأحيان استنزافهم في آخر أعمارهم، مع أنهم في الغالب لا يستطيعون، بحكم السن، على العطاء كما كانوا في السابق، ولا شك أن المستوى الحالي من التمثيل الجديد للشباب يعكس النظرة الحكيمة التي تنتهجها الحكومة في إعداد جيل جديد من القيادات الشابة التي ستسهم في تنمية البلد، وتحقيق رؤية المملكة 2030.

إن غياب الموضوعية في اختيار المدير/‏ المسؤول قد تتسبب في استقطاب من يدير من هم أعلم منه في المجال، وأكثر خبرة منه في التخصص، وأفهم منه للإجراءات، والسياسات، والأنظمة، فتصبح العملية في بادئ الأمر تعليم لهذا المدير/‏ المسؤول حتى يفهم الأمور، ويكتسب الخبرة في المجال، ويطلع على السياسات، والإجراءات، والأنظمة التي تحكم هذه المنشأة، وكل هذا الوقت المهدر كان يمكن تجنبه.

قاعدة هل تعرف فلانا؟ نعم أعرفه، نعم الرجل.! عينوه! لا يمكن منها أن تصنع قادة، ولا يمكن أن ينتج عنها إلا العمل المتهالك الذي أغلبه مجاملات، ومدح مقزز ليبقى هذا المعين في منصبه، ولا شك أن لكل قاعدة شواذا، فعامل النجاح والتفوق قد يتحقق بهذه الطريقة، ولكن في أغلب الأحيان مآله إلى الفشل.

إن من الواجب علينا وضع معايير محددة، وأسس واضحة، ومؤهلات علمية منتقاة حسب كل وظيفة إدارية أو منصب رفيع، ويتم بعدها ترشيح أكثر من شخص، وإخضاعهم للاختبارات الشخصية لمعرفة شخصياتهم، ولا يتم إغفال جانب النجاحات التي حققوها في عملهم السابق، كما من الواجب أيضا إخضاعهم لمقابلات شخصية عدة قبل أن يقع الاختيار على أحدهم، وكل هذا يجب أن يكون بإشراف أكثر من شخص ممن ليس لديهم أي مصلحة في تعيين أحد المرشحين.

ولا يقف الموضوع عند هذا الحد، فمن الممكن تبني فكرة تقييم المدير/‏ المسؤول بعد التعيين، بحيث يتم ذلك من خلال موظفيهم بعد مدة يتم تحديدها على حسب أهداف المنشأة، بحيث يكون بإمكان الموظفين عزل هذا المدير إذا كان صوت الأغلبية ضده، بهذه الممارسة ستولد بيئة عمل صحية، ويشعر الموظفون البسطاء بثقل في المنشأة، ويستشعر المديرون/‏ المسؤولون حجم المسؤولية الملقاة عليهم، وسيحرصون كل الحرص على إخراج كل ما عندهم، فلا يكتفى بتقييم السلطة الأعلى منهم.! وحتى يكون تطبيق ما ذكرت أكثر منطقية يمكن جمع آراء الموظفين، وعرضها على لجنة هي من تقرر بقاء المدير/‏ المسؤول أو تغيره بناء على آراء الموظفين الذين يعملون تحت إدارته، ووفقا للأسباب الموضوعية المذكورة منهم، ويمكن على أقل تقدير تطبيق ما ذكرت بإيجاد آلية يتم فيها عرض آراء الموظفين على صناع القرار، مما يسهم في إطلاع صناع القرار على جوانب القوة، والضعف عند المدير/‏ المسؤول، ويعزز مبدأ الشفافية، ويفتح قناة لإيصال صوت الموظف لصناع القرار.

ليس بالضرورة تطبيق ما ذكرت على كافة المديرين/‏ المسؤولين في المنشأة، ولكن يمكن الاكتفاء بتطبيقه على أصحاب المناصب الرفيعة في المنشأة مثل مديري العموم، والمدير التنفيذي (القطاع الخاص)، والوزراء، والوكلاء (القطاع الحكومي).

إن هذا الموضوع لا يمكن اختزاله في مقالة، ولكني حاولت عرض التحديات، والإشكالات في آلية اختيار المدير/‏ المسؤول، وعرض بعض الحلول الممكنة لتجاوزها.