الفردانية موقف أخلاقي وفلسفة سياسية أيديولوجيه اجتماعية تؤكد على القيمة المعنوية للفرد. تشجع الفردانية الاعتماد على النفس والاستقلالية والنضج الذاتي، وتولي اهتماما كبيرا لمصالح الفرد، بما في ذلك خصوصيته وكيانه، وتدافع عنه ضد أي تدخل خارجي من قبل المجتمع أو مؤسساته أو رموزه.
تقلل الفردانية، في الغرب تحديدا، من اعتماد الفرد على المحيط الاجتماعي أو رجال الدين لتلقي المعلومة، وتجعله في المقابل يبحث عنها بنفسه والإعلام أحد أهم وسائل البحث عن المعلومة. وبالتالي يتوقع من الفرد الغربي أن تكون علاقته تجاه الإعلام أقرب من علاقة العربي بإعلامه، لأن الأول يستمد معرفته من مختلف وسائل الإعلام أكثر مما يستمد من الكنيسة ورجال الدين، أو من العائلة والأقارب، أو غير ذلك من المؤسسات الاجتماعية كما هو الحال لدينا.
وإذا نظرنا لتعاطي الإعلام الغربي مع فردانية مجتمعاتهم نجد تجربة مشرقة، وذلك يبدو واضحا في الإعلانات التي يقدمها، والأفلام التي ينتجها، وحتى في الأخبار والبرامج التلفزيونية. وما زال حراكهم التطويري مستمرا. بات الإعلام الغربي يولي اهتماما للأفراد ولكل فئة من المجتمع، بما في ذلك الأقليات العرقية والدينية والمذهبية. والفردانية جيدة من منظور اقتصادي للإعلام، لأنها تعني مزيدا من الاستهلاك الشعبي للإعلام، وبالتالي المزيد من الربح والنشاط، وجيدة أيضا من منظور تنموي لأنها تمكن إدخال التغييرات على المجتمع في حال كان الإعلام واعيا بشكل أسرع تغيير المجتمعات غير الفردانية. ولهذا نجد الدول الفردانية منفتحة للأفكار الجديدة، بينما تتمسك الدول المترابطة اجتماعيا بعاداتها القديمة، وتكون أقل انفتاحا نحو التجديد. والشعوب الغربية بالطبع لم تغفل عن استغلال دور الإعلام التوعوي والتطويري، فعلى سبيل المثال لا الحصر، يدعم كل فرد بريطاني البي بي سي بضريبة شهرية (تقارب 120 ريالا سعوديا)، لكنهم في المقابل اشترطوا إعلاما واعيا، تثقيفيا، إمتاعيا يعكس الهوية البريطانية لكافة مشارب الشعب وأطيافه.
دون أي شك، نجحت البي بي سي في ذلك، ونجح البريطانيون، ونجحت الفردانية.