عندي إحساس، وأرجو أن يكون إحساسا مخطئا، وهو أن في المملكة فئة من النقاد المتخصصين (المخبصين!!)، أو ممن نظنهم كذلك مع أنهم (يخبصون، ونحن مصفقون!!)، أصبح همهم التقليل والتشكيك في أي مشروع وطني تعلن عنه الدولة ضمن رؤية 2030، فما إن يعلن عن المشروع حتى يبدأ المتلقون يتساءلون عن جدواه وأهميته ودوره ومدى خدمته لهم واستفادتهم منه، ومن الطبيعي -في ظل غياب الحكومة، خاصة الجهة المختصة!!- أن يوجهوا تساؤلاتهم وأسئلتهم للمختصين، أو لمن يظنون أنهم مختصون، ومن هنا تبدأ قصة هؤلاء المختصين وأشباههم، فهم لا يشرحون ويبسطون ثم يبدأ نقدهم، لا. بل يبدؤون بالويل والعويل على المواطن، والوعيد والتحذير من خديعة الحكومة للشعب، وتأكيد أن الهدف من المشروع كله هو (اللهف!!)، بمعنى أن الحكومة وفق خطة محكمة، قررت ابتزاز المواطنين ووفرت مشروعا يكون رافدا ماليا لها على حساب الناس وبطريقة خادعة ظاهرها التطوير وتوفير خدمة أفضل، وباطنها نهب أموال المواطن وترتيب نظام (ما يخرش المية!!)، يستنزفه ماليا تحت شعارات زائفة هدفها تكبير رصيد الحكومة وتغطية عجزها المالي، وإفقار المواطن، وينبري هؤلاء المختصون وأشباههم في سرد السلبيات، مستشهدين بنماذج من الشرق والغرب واستنبات أسباب لتأييد وجهات نظرهم، حتى إنهم يشككون، بل ويكذبون نصوصا واضحة معلنة، ويبررون ذلك بأن هذه النصوص جاءت تحت مظلة الخديعة والاحتيال، بمعنى أنها (كذب!!)، ويمعنون في هذا السبيل لدرجة تجعلك تشعر أن الحكومة تمارس (لصوصية!!) تاريخية لم يسبق لها نظير!!.
ونظرا لعدم تخصصي في الاقتصاد، ومثلي ملايين الشعب، ولأن الغالبية العظمى من مشاريع الحكومة التي تتوالى تباعا، ضمن الرؤية، هي بالدرجة الأولى اقتصادية، مثل مشاريع الخصخصة والتشغيل والتغيير، وغيرها، فحين يتم إعلان هذه المشاريع فإننا بطبيعة الحال نلجأ للمتخصصين الاقتصاديين، أو من نظنهم متخصصين، فيتبارى هؤلاء -مباشرة- في النقد والتقليل والتشكيك في المشروع، قبل أن يتفضلوا -مشكورين- بشرح المشروع وطريقة تطبيقه، وأهميته سلبا وإيجابا، ثم لا بأس من نقده بعد ذلك!!.
والمشكلة أن هؤلاء المتخصصين المزعومين لا يتقبلون نقاش (جهلة!!) أمثالي، ممن يدققون في الأسئلة ويوردون مقارنات عالمية من باب السؤال عن التشابه والتنافر، بل ولا يترددون من وصم (أمثالي!) بالجهل -وهذا شرف لا أدعيه- فعشرة أتساع الشعب ينكرون الجهل البسيط، وهم صادقون، ويعترفون بصورة تطبيقية عملية بالجهل المركب!! وهم أيضا صادقون، ولهذا فمعظم من نظنهم متخصصين يمارسون بحقنا وحق الوطن أشكالا من الجهل المركب يتفاخرون بها علنا!، وقد لا يتورع بعضهم عن الاتهام لمن يعارضهم -أو لا يفهم- بالمصلحة الشخصية، والتواطؤ على الفساد!!، بل وقد تتهم أنك بعت نفسك للحكومة بمقابل مادي ضخم للتغطية على هذه الحكومة (الحرامية!!).
ولأن الحكومة غائبة تماما عن المسرح، فإن هؤلاء يلعبون (على كيفهم!!) في ظل هذا الغياب، وتصبح وسائل التواصل ميدانهم الرحب لقول ما يريدون بطريقة تبدو وطنية هدفها إنقاذ الوطن من كارثة قادمة، وباطنها التهالك على الشهرة والبروز عن طريق التعالم، ودغدغة مشاعر البسطاء (أمثالي!!)، وبالتالي سحبهم إلى مساحات الشك، وضعف الثقة في حكومة تقول إن هدفها التطوير والتحسين، والتغيير نحو الأفضل!!.
الآن دعونا من هؤلاء المتخصصين أو (المخبصين!!)، ودعونا نتجه مباشرة إلى فخامة الحكومة المبجلة، وإلى أصحاب المعالي الوزراء، لنسأل لماذا هذا الغموض والغياب!!، فيا حكومتنا الرشيدة الموقرة: هل يصح إعلان مشروع وطني استراتيجي مستقبلي دون توطئة وحملة إعلامية مسبقة تمهيدية توضيحية شارحة له لدرجة الملل!!، ثم إذا غابت هذه الحملة المسبقة، هل من اللائق أن تغيب الحكومة نهائيا عقب إعلان المشروع، وتترك المواطنين نهبا للظنون، والتطلع لشرح من يفهم ومن لا يفهم، ومن يحب الوطن بجهل، ومن يكرهه بعلم، ألا ترون أن هذا أمر عجيب غريب مثير للشكوك والظنون، أكثر مما يمنح الناس ثقة بأنهم مقبلون على مستقبل أفضل!!!.
خذ مثلا، ما هي سياسة الصحة العامة، ما معناها وكيف سبل تطبيقها، وماذا -وهذا أهم شيء!!- ستفيدني شخصيا أنا وعائلتي، وكيف أستفيد منها، وهل سأدفع على الخدمات الصحية رسوما من دخلي، أو أنني كمواطن -مبخر مشمر!!- لا رسوم علي، ولا إمكانية لضعف الخدمة المقدمة لي، وأنه لا يمكن طردي ببساطة من أي منشأة صحية إذا «أصريت» على المطالبة بحقي، ذلك الحق الذي قالته الحكومة ثم لم تحمه، أو أنها قالته للاستهلاك الإعلامي ولا حقيقة له على أرض الواقع!!!.
يا أيها السادة، هل الحكومة تتفاجأ بإعلان المشروعات مثلنا حين تفاجئنا إعلاناتها عنها، أم أن الحكومة تجس نبض الناس فقط وليست جادة، أم أنها لا تملك مستشارين راشدين واعين يفهمونها أن المشاريع الكبرى تحتاج ثلاث حملات، حملة إعلامية تمهيدية، ثم حملة مع الإعلان للشروحات والتوضيحات، ثم حملة طويلة الأمد للتطبيقات (حتة حتة !!).
قسما بالله إنني أعبر عن حيرة وطنية عامة مما يحدث، فهل هذا الصمت الحكومي معقول ومقبول!!؟
إنني أمام هذا الصمت غير المبرر وغير المفهوم، لن ألوم من أشرت إليهم في صدر هذا المقال ممن يخيطون وينقضون من متخصصين و(مخبصين!) وخائضين، وخابصين أمثالي و(شرواي!!) ممن يتعالمون ويلعبون في مساحة نوم الحكومة!! وأخيرا لا بد من إعلان السؤال المتداول بسرية و(وتوته!) لماذا حكومتنا بكماء!؟