اندثرت المقاهي أو تكاد في بلادي، هجر الناس مجالسهم، تسيدت الاستراحات المشهد الاجتماعي، تحولت مسرحا من مسارح الحياة الكثيرة.
كل ليلة حكاية جديدة. في بعض الليالي تتم إعادة إنتاج حكايات البارحة مع إضافات جديدة. كل المطلوب والمتطلب هو صغط زر إعادة التشغيل، لتنثال الحكايات مجددا بأسلوب مختلف. عند منتصف الليل يغادر الناس، يتركون حكاياتهم!
في الاستراحات، هوامش وحكايات وأمنيات لا يجرؤ كثيرون على البوح بها، إما خجلا أو خوفا!
لا مكان لـ«التكلف» في الاستراحات. الكل سواسية، من حق الكل أن يتحدث، من حقك -ما دمت عضوا في الاستراحة- أن تَدّعي امتلاك الحقيقة!
والاستراحات على أي حال وحالة، ضد النخبوية. «النخبوية» تُترك عند باب الاستراحة الخارجي.. لا أهلا و
لا سهلا!
الاستراحات مكان ملائم لهواة الكلام، باتت لها مكانة عند هواة الأمنيات والأكاذيب والإشاعات!
رمال متحركة من الإشاعات تبتلع الحقيقة، لا تبقي لها أثرا يذكر، ولا شيء في كثير منها سوى هذه الرمال المتحركة!
يحب السعوديون الاستراحات، اللحظات الجميلة هي التي يقضونها وسط «أحواشها»، لعلها بمثابة ممارسة اليوجا، وجلسات التأمل، أظن أنهم يحصلون على النتائج ذاتها.
والاستراحات من واقع خبرة، برلمانات حرة!. قد يبدو هذا القول سخيفا. لكن لك أن تصيخ السمع قليلا، لتكتشف بأذنيك أنه لا أحد فوق النقد في استراحات السعوديين. على جدرانها تتحطم التابوهات!
لكننا -وهذه خلاصة المقال- عاجزون إلى حد كبير عن تنقية أجوائها من هذه الإشاعات التي ربما هي ما يحفز البعض لارتيادها!
لكل مسؤول في بلادي -دون استثناء- نصيبه من حكايات وأحاديث وإشاعات الاستراحات. إما تتم إقالته، أو محاكمته، أو ترقيته، أو تعيينه، أو إعفاؤه!
الأحاديث في الاستراحات ليست بحاجة إلى إلهام. نمط الحياة فيها يجعلها تهطل على مدار الجلسة. والطريف أن الكل على القناعات والميول ذاتها.
النصراويون ما يزالون يعشقون النصر، والراغبون في الزواج بالثانية مضت أعمارهم وهم يحلمون كل ليلة، وهواة السفر يخططون للسفر إلى البوسنة، وعشاق صدام حسين ما يزالون يبكون عليه!.