في إطار محاولاتها توسيع نطاق المواجهة مع دول المقاطعة، وتزييف الحقائق، والتسويف وإضاعة الوقت، وذر الرماد في العيون، لجأت اللجنة القطرية لحقوق الإنسان إلى توكيل مكتب محاماة سويسري لمقاضاة الدول الأربع، بزعم إلحاق الضرر بها، وعدد من مواطنيها، نتيجة للمقاطعة. وهي دعوى تفتقر إلى أي أسس قانونية سليمة، كون مقاطعة تلك الدول النظام القطري، تجاريا وسياسيا، هو حق سيادي أصيل، تكفله لها القوانين الدولية ومبادئ الأمم المتحدة، كما أن قادة تلك الدول بادروا من تلقاء أنفسهم، إلى إصدار توجيهات مشددة بضرورة مراعاة الجوانب الإنسانية المترتبة على حالات الزواج المختلط التي تجمع قطريين برعاياها، وعدم تعريضهم لأي مضايقات أو صعوبات، وضمان كافة حقوقهم. أما ما تروج له الدوحة عبر وسائلها الإعلامية، وإصرارها على تسمية المقاطعة بـ«الحصار» فهي محاولات فاشلة تستهدف لي أعناق الحقيقة وإلباس الأمور غير لباسها، ولا تعدو أن تكون «سفسطة قانونية» لا تقدم ولا تؤخر، بسبب وضوح القانون الدولي في هذا الشأن، وكذلك مبادئ الدبلوماسية في حق أي دولة الحفاظ على أمنها وحدودها، ومنع كل ما من شأنه التأثير على استقرارها ووحدتها. وأما قبول مكتب المحاماة السويسري لرفع الدعوة، رغم وهن وضعف حججها، فربما يكون دافعه هو الرغبة في الحصول على جزء من أموال دولة اعتاد مسؤولوها توزيعها في كافة الاتجاهات، عدا ما يصب في اتجاهات الخير والنماء وخدمة الإنسانية.
لا يختلف اثنان على دور قطر المؤكد في دعم الجماعات الإرهابية، والصلات العديدة التي تجمع الطرفين، وعلاقات الدوحة بالمتطرفين، لا سيما جبهة النصرة، أحد أذرع تنظيم القاعدة، ثابتة بمحاضر وملفات الاستخبارات في معظم الدول الكبرى، وادعاء الجبهة الانسلاخ من تنظيم القاعدة هو فكرة قطرية 100%، لمحاولة تضليل الرأي العام، وهو ما رفضته كافة الدول التي رفضت الانسياق وراء تلك الخدعة. وقد ارتكبت تلك الجماعات جرائم بشعة في كثير من دول العالم، لا سيما مصر والعراق، وهو ما أشار إليه بوضوح نائب رئيس الوزراء العراقي، إياد علاوي، الذي ألمح إلى نية كثير من ذوي ضحايا العمليات الإرهابية في العراق التقدم بشكاوى ضد الدوحة، بعد ثبوت دعم الأخيرة لتلك الجماعات، وإمدادها بملايين الدولارات التي استخدمت في تمويل تلك العمليات.
لتشديد الضغوط على النظام القطري لا بد من زيادة التحرك على كافة المستويات والأصعدة، ورغم أن الجهد الحكومي الذي تقوم به الدول الأربع يؤتي أُكله بصورة واضحة، تتجلى في كثرة الصياح الصادر من الدوحة، وكما يقولون «فإن الصياح على قدر الألم»، إلا أن هناك دورا آخر يتوجب على منظمات المجتمع المدني في كل الدول المتضررة من سياسات الدوحة الخاطئة القيام به، فالضرر الذي نتج عن تلك التجاوزات استهدف بالأساس المجتمعات أكثر من الحكومات، وضحايا العمليات الإرهابية التي وقعت في معظم الدول بتمويل قطري هم مواطنون أبرياء، وتعويض ذوي هؤلاء، ورد حقوقهم هو مسؤولية تقع أولا على عاتق منظمات المجتمع المدني.
معلوم أن الدور الذي تقوم به الهيئات غير الحكومية تعاظم خلال السنوات الماضية، واكتسبت منظمات المجتمع المدني أهمية كبرى، كونها تعبر أولا عن مجتمعاتها، إضافة إلى أنها متحررة من قيود العمل الحكومي الذي تقيده في كثير من الأحيان إجراءات رسمية وبيروقراطية واعتبارات سياسية. إلا أن تلك المنظمات تمتاز بالسرعة والقدرة على التحرك، ومخاطبة الآخرين بصورة مقنعة، كونها الصوت الحقيقي الذي يتحدث باسم المدنيين، ويسعى إلى تقديم المعلومة والحقيقة بصورة مباشرة غير ملزمة بالبحث عن إطارات سياسية أو دبلوماسية، رغما عن أنها أدوات مساعدة لحكومات دولها.
والواقع أن هناك تنسيقا متواصلا في هذا الوقت بالتحديد بين عدد من المنظمات في كافة الدول التي اُبتليت بعمليات إرهابية ووقفت الدوحة وراء تمويلها، بالتنسيق مع عدد من الآليات الدولية ذات الاختصاص لإعداد ملفات متكاملة، مدعومة بوثائق وإثباتات قانونية وقضائية، تثبت حقيقة الدور القطري، والتقدم بشكاوى أمام المحاكم الدولية، إنابة عن ذوي ضحايا تلك الجرائم، والمطالبة بتعويضات ضخمة، إضافة إلى التقدم بشكاوى مماثلة أمام مجلس الأمن الدولي، وغيره من الهيئات السياسية والعدلية والحقوقية، لإلزام الدوحة بتغيير سياساتها، ووقف محاولاتها الرامية إلى لعب دور أكبر من حجمها ولا يتناسب مع حقيقة وضعها، وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
ومن المكاسب التي يمكن أن تحققها مثل هذه الخطوة، إضافة إلى رد حقوق الضحايا، ووقف المهددات الأمنية، تعزيز الدبلوماسية الشعبية بين مواطني دول المقاطعة والدول المتضررة الأخرى، وتقوية اللحمة التي تجمع بين مواطنيها، لأن تلك المنظمات تمثل النبض الحقيقي للشعوب، إضافة إلى تبادل الخبرات، مما يؤدي بدوره إلى تطوير العمل وتجويده في المستقبل. وهناك الكثير من الكفاءات التي كانت تتولى في السابق مناصب رسمية مرموقة، وبعد إفساحها المجال أمام الأجيال الشابة للإسهام والمشاركة، تحولت للعمل في منظمات وهيئات شعبية، وهذه الكفاءات تتوق إلى المشاركة في خدمة أوطانها، وبإمكانها فعل الكثير في هذا المجال.
وأكرر مرة أخرى، أنه رغم النجاحات المتتالية التي تحققها التحركات الحكومية لدول المقاطعة، إلا أن هناك أدوات وخطوات أخرى ينبغي اتخاذها، لإرغام من يدعمون الإرهاب على وقف تجاوزاتهم، والانخراط ضمن الجهود الدولية والإقليمية الرامية إلى محاصرة تمويله، والقضاء عليه، وعدم التغريد خارج السرب، وستجد الدوحة نفسها أمام ضغوط مشددة من عدة جهات، تحاصرها بالأدلة والإثباتات، وترفع في وجهها ما يظهر فداحة الأخطاء التي ارتكبتها. طال الزمن أو قصر، وسيكون قادتها ملزمين بتسديد فاتورة مغامراتهم، وتحمل عواقب ما اقترفته أيديهم، فدماء المدنيين الأبرياء لن تضيع هدرا، ولن تكون جزءا من أي تسويات سياسية، وحقوق الأفراد لا تسقط بالتقادم.