من المعروف علميا أن للهجرة آثارها السلبية والإيجابية على الأوطان وعلى البشر ذاتهم، سواء كان ذلك للبلد المهاجر منه أو البلد المهاجر إليه، والتي يمكن إيجاز بعضها في أن البلد المهاجَر منه يفقد بالهجرة مواطنيه من المهاجرين المؤهلين الذين يمثلون ثروته البشرية ودعامته الاقتصادية التي من خلالها يستفيد الوطن من كافة مقدراته وموارده الطبيعية وغيرها، وبالتالي فإن البلد المهاجَر إليه يكون هو المتلقي لهؤلاء المهاجرين المؤهلين الذين سيسهمون في نهضة البلاد، ويقدمون مهاراتهم وخبراتهم وعلمهم بما ينعكس إيجابا على تنمية البلد من جهة، وعلى اقتصاد وتنمية الدول المهاجَر منها (دولهم) من خلال تحويلات العاملين في خارج الأوطان لأوطانهم من جهة أخرى، والتي تسهم إلى حد كبير في إنعاش النمو الاقتصادي والحركة التنموية في بلادهم التي هاجروا منها، وذلك بتوفير المال اللازم لأسرهم وعوائلهم في أوطانهم، لتمكينهم من الحياة بمستوى معيشي أفضل، والذي يترتب عليه مزيد من الإنفاق اليومي والسنوي المستمر في بلادهم، ما ينعكس على انتعاش اقتصادي ونهضة تنموية تسهم في استقرار وأمن اجتماعي مطلوب في تلك الدول، نتيجة لتحسن الأحوال الاقتصادية للأفراد، ولذلك تسعى الدول بصفتها المستقلة ومن خلال منظمة الهجرة الدولية، إلى تشجيع الهجرة وتيسير سبلها لأهميتها في تبادل المصالح والمنافع بين الدول والشعوب بما يسهم في تنمية كثير من دول وشعوب العالم، ويتم ذلك في ظل قوانين ونظم وتشريعات منظمة للعملية ذاتها، ولحماية المهاجرين والدول المهاجر إليها ومنها، وذلك مع الأخذ في الاعتبار القوانين والتشريعات الوطنية لكل دولة، ومراعاة كفالة حقوق الإنسان من جميع الدول التي تكون طرفا في ذلك.

من هذا المنطلق يمكننا تحليل ومناقشة الآثار الاقتصادية والمردود الوطني والاجتماعي لتطبيق الرسوم على

العمالة الوافدة والمرافقين والتابعين، وذلك في ظل تباين الرؤى والتحليلات حول ذلك، ومدى جدواها اقتصاديا

على الوطن والمواطنين المستفيدين من وجود العمالة الوافدة والمتضررين منها، لأن تطبيق تلك السياسات يستهدف بالطبع ضبط أعداد العمالة الوافدة الموجودة في البلاد بما يؤدي بالتالي إلى الحد من أعدادهم وإنقاص نسبتهم المرتفعة جدا، وذلك بالمقارنة مع جميع دول العالم باستثناء دول مجلس التعاون التي تعاني من ذات الإشكالية وبنسب متفاوتة والتي يزيد معظمها عن واقعها في المملكة باستثناء عمان التي تقاربنا في النسبة وهي الأقل، وبما أن التقييم نسبي فإن حجم العمالة الوافدة «العددي» في المملكة أكبر من أخواتها الخليجيات، ولكن لارتفاع حجم مواطني المملكة العربية السعودية فإن النسبة تنخفض مقارنة بالمواطنين، ولكن بصفة عامة -كما سبق ذكره- فإن النسبة مرتفعة جدا بالمقياس العالمي والتي تصل إلى 33,81%من جملة سكان المملكة بناء على الإسقاطات السكانية للهيئة العامة للإحصاء لعام 2017.

ومن البديهي أنه كلما ارتفع مستوى الأفراد اقتصاديا نتيجة لزيادة الدخل، زاد مستوى إنفاقهم نوعا وحجما، وفي ذلك تناسب طردي محتوم، والعكس صحيح، ويرتبط بذلك مستوى التأهيل والتعليم إلى حدٍّ ما كقاعدة علمية ومنطقية، وما دون ذلك فهو خارج عن القاعدة، ولله في خلقه ورزقهم حكمة وعبرة قد لا نستطيع تفسيرها أحيانا. وبناء على ذلك فإنه يجدر بنا استعراض مستوى ونوعية العمالة الوافدة الموجودة في بلادنا، وذلك من حيث مستوى التأهيل ونسبتهم من الحجم الكلي للقوة العاملة الوافدة في الوطن، لأن ذلك من شأنه أن يعكس حجم

الإنفاق المتوقع داخل الوطن، وهل سيسهم إيجابا أم سلبا في إنعاش اقتصادي ونهضة تنموية لدينا وفي أوطانهم كذلك؟! أم أن ذلك الانتعاش الاقتصادي والنهضة التنموية قاصرة على أوطانهم فقط، ولا يصيبنا منها إلا الاستهلاك المدمر والاستنزاف لمواردنا ومقدراتنا؟!



تشير بيانات المسح الاقتصادي للقوى العاملة غير السعودية لعام 2015 في تصنيفها حسب الحالة التعليمية (الإحصاءات الأحدث لم تتضمن تفصيل التصنيف بين سعودي وغير سعودي) إلى أن هناك (1,9%) منهم «أميون»، و(53.8%) دون مؤهل الثانوي، و(18.1%) تعليم ثانوي، و(5.2%) دبلوم دون الجامعة، و(20.9%) الجامعة وما فوق، وذلك يشير إلى أن نحو (80%) من نسبة العمالة الوافدة في الوطن هم من فئة دون التعليم الجامعي، بل وأكثر من نصفهم (56%) هم من متوسطي التعليم الذين لا يحملون حتى شهادة ثانوي! فهل نتوقع من تلك الفئة المتوسطة والمتدنية التعليم إنفاقا ملموسا وقوة شرائية هامة تحرك الاقتصاد الوطني وتنعش مسيرة التنمية؟! أم أننا نلمس بما نشاهده ونسمعه ونقرؤه عن ارتفاع حجم تحويلات العاملين للخارج، أي إلى أوطانهم، وأنهم لا يوفرون من دخلهم إلا الفُتات لينفقوه في الداخل الوطني؟!

إذن من المستفيد من تلك الأموال والإنفاق العام لمعظم العمالة الوافدة؟! هل هو الوطن والمواطنون أم الشعوب الأخرى والأوطان الأخرى؟! وحقيقة أننا نتمنى الخير والنماء لكافة شعوب الأرض ودولها، وهذه سنة الله في كونه تبادل المنفعة والمصالح بين بني الإنسان، وبذلك تعمُر الأرض والدول وتزدهر الأوطان، ولكن لن نقبل أن يكون ذلك على حساب الوطن والمواطنين، ماذا حصدنا من غالب العمالة المتدنية التأهيل والتي يغلب عليها الجالية الآسيوية غير العربية؟!

صحيح أن تلك العمالة أسهمت وما زالت تسهم في الكثير من أعمال البنية التحتية لمختلف الإنشاءات والمشاريع التنموية، سواء العام منها أو الخاص، بالإضافة إلى غيرها من الأعمال والنشاطات التجارية والمهنية المختلفة التي يزاولونها، ولكن بالمقابل ألم يرتفع معدل الجرائم على اختلافها، نوعا وحجما، في مختلف مناطق المملكة؟!

ألم نفاجأ بالكثير من الإشكالات والتحديات الاجتماعية التي اقتحمت بيوتنا ومؤسساتنا على اختلافها؟!

ألم ينتشر في مجتمعنا السرقة والتستر والتزوير وغسل الأموال وصناعة المسكرات والتجارة بالمخدرات وترويجها والقتل والإرهاب على أنواعه؟!

هل نبالغ إذا قلنا إنه لا تخلو عملية من تلك العمليات من وجود الكثير من العمالة الوافدة الرخيصة كعقول مدبرة وأيدٍ مخططة ومنفذة؟!

ألم ينعكس وجود تلك العمالة المنخفضة التأهيل على استهلاك تدميري للبيئة ولكافة المقدرات الوطنية والخدمات المتاحة؟! ألم يسهم وجود تلك النوعيات من العمالة في تدني مستوى الخدمات والمرافق أداء وإنتاجا؟!

ألم تستأثر تلك العمالة على معظم نشاطات السوق الوطني وأرباحه في القطاع الخاص لصالحها الأكبر من خلال العمل بالطرق غير النظامية والتستر؟! ألم يثبُت وجود تحويلات بملايين الريالات لعمالة وافدة بسيطة التأهيل والمسمى المهني؟! ألم يصبح الوطن ملاذا لكثير من المتخلفين والهاربين وغير النظاميين من غير المسجلين في البيانات الرسمية، والذين يصعب الوصول إليهم ومعاقبتهم في حال ارتكابهم جرائم ومخالفات قانونية؟!

ولكن على الرغم من إيجابيات تطبيق زيادة الرسوم على العمالة الوافدة، فإن ذلك يتطلب تمييزا بين العامل الوافد ذاته، وبين مرافقيه والتابعين له، حيث إن العامل الوافد هو في خدمة كفيله، سواء كان فردا أم مؤسسة، فإن أي زيادة في رسومه ستنعكس سلبا على المواطنين من الكفلاء، خاصة محدودي الدخل (الطبقة المتوسطة) الذين يمثلون النسبة الغالبة من المجتمع، والذي من شأنه زيادة تكاليف المعيشة وأعبائها عليهم في ظل ارتفاع ملحوظ في كافة نفقات الحياة ومتطلباتها وضرورياتها، بما يعني تدهورا وانخفاضا في مستوى المعيشة لمعظم المواطنين، والذي سينعكس بدوره على التنمية بصفة عامة، خاصة مع انحسار الفرص الوظيفية وارتفاع متنامٍ في معدلات البطالة، ولذلك فإنه لا بد من التمييز بين العامل الوافد بذاته، وبين مرافقيه والتابعين له والذين بلغوا (2.221.551) فردا

بين ذكور وإناث، لأن هؤلاء بالتأكيد يعمل الكثير منهم بطرق غير نظامية ويزيدون من حجم وفاتورة الاستهلاك العام على كافة الخدمات، وعليهم فقط يمكن تنفيذ القرار وبتقنين واعتبارات إنسانية مدروسة.