من اللافت أنه رغم الكراهية المريرة التي تكنّها «علانية» السلطات الإيرانية تجاه إسرائيل ووصفها بأنها «الشيطان الصغير»، وأصبحت تنافسها على التزود بالسلاح النووي. ورغم الساعة الرقمية التي تم تركيبها مؤخرا، في وسط طهران لتعداد الأيام المتبقية حتى حلول عام 2040، وهو عام «إبادة إسرائيل» وفق تنبؤات خامنئي، فإن أكبر جالية يهودية في الشرق الأوسط ما زالت تعيش في قلب إيران.

ولا يذكر أنه كانت هناك علاقات جيدة تجمع بين إسرائيل وإيران حتى عام 1979، ولم ينقطع الاتصال بينهما إلا بعد سقوط الشاه. فقد كانت تعمل الشركات التجارية الإسرائيلية في إيران، وكانت تعيش جالية إسرائيلية في طهران. فمثلا، بنت شركة إسرائيلية فندق «هيلتون» في طهران. واضطر حاملو الجنسية الإسرائيلية إلى مغادرة إيران، ورغم معاناة يهود إيران اختار العديد منهم البقاء فيها، ويقدّر عدد يهود إيران اليوم بنحو 20 ألف شخص.

ومنذ عام 1979 هاجر نحو 70 ألف يهودي من إيران إلى إسرائيل. إلا أن وضع الجالية اليهودية اليوم في إيران يعتبر جيدا مقارنة بالأقليات الأخرى التي تتعرض إلى الاضطهاد بقسوة من قبل السلطات الإيرانية، ومن ضمنها أقليات قومية ودينية كالعرب، الأكراد والأذربيجانيين، والبهائيين والمسيحيين.

وهناك ممثل دائم للجالية اليهودية في مجلس الشورى الإيراني يدعى سيامك مره صدق، وهو بروفيسور في الطب، ويُسمح لليهود بالتعلم والتعليم في الأكاديمية الإيرانية أيضا.

وكان الخميني، -لدى استقباله في سبتمبر 1979 خمسة من كبار حاخامات يهود إيران- قد قدم لهم وعدا بأن اليهود لن يكونوا عرضة للأعمال المعادية، وأنه سيعامل المواطن اليهودي الصالح معاملة المسلم الصالح، وطمأنه كذلك كبير الحاخامات اليهود الإيرانيين باريديا شوفيت الذي أكد أن المسلمين واليهود إخوة، وأن الأقليات اليهودية والمسيحية والمجوسية سيتمتعون بحقوق المواطنة الكاملة.

ويقول البروفيسور دافيد منشري من جامعة تل أبيب: «المفارقة بين الصهيونية والخمينية مناورات ثقافية، لكن يجب التمييز بين الهامشي والجوهري وبين الأساسي والطفيلي، بالإمكان طبعا المقارنة بين البعوضة والطائرة المروحية، أو بين السمكة والغواصة، ولكن هل هذه الأشياء متشابهة من حيث الجوهر؟ التشابه بين الخمينية والصهيونية تشابه هامشي.

ووصف موريس معتمد ممثل اليهود السابق في البرلمان الإيراني علاقة اليهود بالنظام الإيراني الحالي بأنها «جيدة جدا» وفي بداية «الثورة» كانت علاقة شبه متوترة، وكانوا يتصورون أن النظام الجديد سيعاملهم معاملة سيئة، وبعد فترة تعودوا على الوضع الجديد.

ويبدو أمرا لافتا رفض اليهود الاندماج في المجتمع الإيراني، حيث اتخذوا من مناطق محددة من طهران مكانا لسكنهم، في أماكن بعيدة عن الحماس المذهبي مثل شمال طهران ومناطق جديدة لا تصنف الناس وفق انتمائهم الطائفي، بل وفق وضعهم المالي والاقتصادي.. إلا أن موريس معتمد ينفي تماما الحديث عن رفض اليهود الاندماج في المجتمع الإيراني.

ويبرر حرص يهود إيران على دعم المواقف الحكومية الإيرانية إلى حد التظاهر ضد إسرائيل، وهو الأمر الذي حدث قبل سنوات قليلة. يبرر بشعورهم الدائم بأنهم متهمون بأن يكونوا جواسيس ومتعاملين مع إسرائيل.

وفي إسرائيل يُقُدر عدد اليهود الإيرانيين بنحو 134700 نسمة يشكلون نسبة 3.1% من مجموع سكان إسرائيل من اليهود. إذ تشير المصادر الصهيونية إلى أن مجموعة من يهود «شيراز» مثلاً، تعرف باسم مجموعة «الملا أهرون كوهين» قدمت إلى القدس عام 1886، وعمل أفرادها رعاة وعمالا في مقالع الحجارة، وقاموا ببناء حي «نفي تسدك» وحي آخر عرف باسم «شافونات باهيم».

وعموما يتواجد اليهود الإيرانيون في القدس، وفي مستوطنة بيت شيمش وفي حيفا، وتل أبيب، ومدن التطوير، خاصة بئر السبع، وفي العديد من المستوطنات الزراعية. ويعملون في مجال التجارة الصغيرة في تل أبيب والقدس.

وبالنسبة لتمثيلهم في أجهزة السلطة التنفيذية والتشريعية والسياسية والعسكرية، فإن اليهود الإيرانيين يعانون بشكل عام من التمييز الطائفي، فعلى صعيد تمثيلهم في الكنيست فإنه من بين 318 عضو كنيست هم أعضاء سبع كنيسات، تعاقبت خلال الفترة 1949-1969، كان هنالك عضو كنيست واحد فقط من يهود إيران هو «زير مردخاي»، أما عضو الكنيست الآخر من يهود إيران فهو افرايم شالوم، الذي كان عضوا في الكنيست الحادية عشرة، وهو ذو ثقافة ثانوية وله عدة دراسات في الاقتصاد والإدارة، وكان سابقا سكرتير حركة الموشافيم، وكان حزبيا من تجمع المعراخ.

وكان موشي كتساف ثاني رئيس شرقي لإسرائيل، الذي يقضي حكما بالسجن لمدة سبع سنوات على خلفية قضية تحرش جنسي. أول يهودي من أصول إيرانية يتبوأ منصبا سياسيا بصلاحيات بروتوكولية.

وبرز في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية شاؤول موفاز، وهو من مواليد إيران 1948، هاجر إلى فلسطين مع عائلته وهو في سن التاسعة، حيث أقام في إيلات، والتحق بالجيش الإسرائيلي عام 1966 في كتيبة مظليين، وتنقل في المراتب القيادية، وتم تعيينه في مايو 1998 رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي خلفا لرئيس الأركان السابق أمنون ليبكين شاحاك. ومارس مهام منصبه الجديد في أوائل يوليو عام 1998. وكان من قادة حزب «كاديما» المنشق عن الليكود.

وفي المؤسسة الدينية الحاخامية، برز الحاخام إلياهو باكشي دورون، وهو من أصل إيراني، تم انتخابه عام 1993 حاخاما أكبر لطائفة اليهود السفارديم في انتخابات الحاخامية التي تجري كل خمس سنوات من قبل هيئة تتألف من 80 حاخاما و70 شخصية من بينهم وزراء وأعضاء كنيست.

كما ذكرت صحيفة معاريف أن عشرات اليهود الإسرائيليين من أصل إيراني يزورون أقاربهم في إيران، فيما يزور مئات الإيرانيين اليهود أقاربهم في الدولة العبرية كل عام! وأفادت أن الإسرائيليين يستخدمون جواز سفرهم الإيراني القديم للدخول إلى إيران عبر تركيا!

وقد عُلّقت في 24 أغسطس 2015 في أحد شوارع تل أبيب لافتة ضخمة كُتب عليها: «هنا ستفتتح قريبا السفارة الإيرانية في إسرائيل»، وظهر عليها علما كلتا الدولتين «العدوّتين». ووقف وراء هذه اللافتة مشروع مشترك لقسم الفنون في بلدية القدس مع مجموعة من الفنانين الإسرائيليين الذين يصفون أنفسهم بـ«Collective Hamabul» التي تتألف من فنانين، نشطاء، ومثقفين إسرائيليين يطمحون إلى تغيير النظرة في مواجهة التوترات الاجتماعية في إسرائيل. تستخدم هذه المجموعة الفن كأداة لرفع الوعي ولمس تلك التوترات في المجتمع الإسرائيلي بطرق بديلة تسمح بحوار جديد.

ولدى المقارنة الأولية بين أوضاع اليهود الإيرانيين في إيران وفي إسرائيل يعتقد أنهم مرشحون للعب دور في أي تقارب إيراني إسرائيلي محتمل، في حال تمكنهم من تشكيل لوبي في كل من طهران وتل أبيب.