منح الله مصائفنا أجواء عليلة ومناظر جميلة، تجعلها قِبلة للهاربين من سموم الصيف الحارق. هذه ليست حقيقة تكتشف للمرة الأولى، لكن الجزء المُرّ من الحقيقة هو ما يظل اكتشافا حائرا بين الأزمنة.

فمصائفنا -رغم الوعود الكبيرة والإمكانات الهائلة لبلديات المناطق- ما زالت في حال يرثى لها، فالطرق إليها تعاني من مشكلات كثيرة في السفلتة والإنارة، ومتنزهاتها وحدائقها تعاني سوء الخدمات وسوء الاستخدام.

هذا ما وجدته في الطائف التي عُدت إليها بعد غيابٍ لسنوات، وقد ظننت وأنا أخطط لقضاء الصيف فيها، أن افتتاح طريق الملك عبدالله غيّر مسار السياحة ومسيرة التنمية، لكني عدت لأفاجأ ببدء أعمال الصيانة لهذا المشروع المفتتح حديثا، فقد أغلقت مسارات وأحدثت تحويلات، واكتشف المنفذون للمشروع الضخم أن العبّارات التي وضعوها بديلا عن الكبارى والأنفاق لم تسعف مستخدمي الطريق في تنقلاتهم، فقرروا إغلاقها ودفع هؤلاء المستخدمين إلى الاحتشاد في منعطفات محدودة، مما أثر على انسياب الحركة المرورية، وجعل صيف الطائف حارا مزدحما طوال النهار.

متنزهات الطائف أيضا ما زالت تعاني مشكلات النظافة التي لم تُحَلّ يوما، فحدائقها الغناء مغطاة بالزجاجات والعلب الفارغة والمناديل والأوراق، ودورات المياه فيها تعاني من مشكلات السباكة والنظافة، مما يجعلها مرتعا للحشرات الضارة بالصحة والبيئة.

هذا حال معظم المتنزهات، حتى المفتتح منها حديثا، مثل متنزه الردف السياحي الذي لم تمض على افتتاحه سنتان، وما زالت معظم مرافقه مغلقة، وما زالت جنباته مليئة بالصخور، المتروكة هكذا على حالها، مطية للصغار حين لا يجدون في معظم مساحة المتنزه ما يتسلون به، لمحدودية مناطق الألعاب هناك.

محدودية الألعاب دفعت الصغار أيضا إلى استخدام الأدوات الرياضية العامة في الحديقة ألعابا يزاحمون عليها الكبار. وليس الأطفال وحدهم من يشكون جور المنفذين للمشروع، بل حتى ذوو الاحتياجات الخاصة الذين لم تتوافر لهم دورات مياه كافية، وإذا توافرت لا يبدو الممر أمامها صالحا للاستخدام، لأنه عادة مسور بإطار صخري، مما يضطر مستخدمه إلى الاستعانة بمرافق لحمل الكرسي المتحرك فوق تلك الصخور.

الجهود الاستثمارية في الطائف أنشط بكثير من الجهود السياحية، فالمستثمرون في المساكن والمدن الترفيهية يتسابقون على بناء مزيد من المنشآت، لكنها تظل استثمارية بالمعنى المادي البحت لهذا المصطلح، أي غايتها الربح فقط، مما يعني أن المنفعة حكر على المستثمر الذي يؤجر الوحدات السكنية على السياح بأسعار خيالية، في منطقة ليس فيها من مقومات السياحة إلا الجو العليل.