بما أني من هواة الثقافة البصرية بكل أجزائها وأهتم بالمناظر الطبيعية وشغوف بأساليب الدعاية البراقة، لفت نظري مبادرة أمير منطقة الباحة الجميلة تحت عنوان «باحتنا أجمل»، وهي مبادرة خاصة بمنطقة الباحة يتعاون المجتمع فيها لإزالة التلوث البصري والبيئي لتعود مدينتنا بحلة جميلة وبثوب ينصع بياضا.

ولكن الغريب في الأمر وبعد بحث واطلاع ومحاولة لفهم ما يدور في المبادرة من حيث أعمال التحسين والتجميل والتشجير والإنارة، وإزالة مكوّنات وعناصر التلوث البصري من مداخل ومخارج المنطقة وعلى جنبات الطرق والمحاور الرئيسية والشوارع والجزر الوسطى والساحات البلدية والحدائق والمتنزهات، وكيفية إقبال المجتمع عليها وجدت أنها مجرد لوحات دعائية مُعلقة في أعمدة الإنارة بالجزر الوسطى في الشوارع الرئيسية، بل هي زيادة للتلوث البصري الحاصل مسبقا.

إن تحسين وتجميل وتشجير الأشجار شعار براق عكس الواقع الذي يقول بقصها وقطعها، وأيضا قلعها من جذورها لوضع أرصفة جديدة أو لتغيير طريقة التجميل، وما هذا إلا تلوث بصري، فقد كنا موعودين في السابق بفكرة جميلة وهي «زرع أشجار اللوز التي تتميز بها المنطقة في الطرق لتجميل المدينة، ولكن بعد التنفيذ كان الناتج هو قلعها لأن هناك مشروعا جديدا لتحسين المنطقة»، ولا أعلم إلى الآن ما هو المانع من ترك الأشجار تنمو بطبيعتها وعدم قصها وزيادة الاهتمام بها، ولماذا قد تصرف الأمانة على القص أكثر مما تصرفه على الزرع.

والأكثر غرابة هو وجود عمّال الأمانة في أغلب شهر رمضان يجوبون الشوارع بحثا عن صدقة، «وهذا الأمر لا أحكم فيه أو أفتي فطرق الفتوى معروفة»، ولكن ترك مهامهم التي من أجلها هم قدموا ووافقوا بالعمل وانشغالهم بغيرها، لهو سبب في زيادة التلوث البيئي في المنطقة، لأن هناك جزءا من النظام البيئي ترك عمله الأساسي فأثر على كامل المنظومة.

بعد ما كان في المنطقة جمال وإبداع من الخالق، للطبيعة البكر بما يدغدغ مشاعر المشاهد والزائر، أصبحت الفوضى البصرية أكثر تلوثا وهي مترامية الأطراف، حيث لا تعلم كيف تقيس مداها ولا أساسات لمحورها الجمالي الفني، وذلك حين ما تتنقل بعينك الناقدة تجد أن ما حولك غريب فنيا، فتارة تجد لوحات دعائية من كثرتها تعطيك انطباعا بعدم التنظيم والترتيب وهامشية التوزيع، وأنه لا نظام في وضعها، وتارة أخرى تجد دعاية لفعاليات قديمة لم تزل من أماكنها، وتارة ثالثة تجد ورودا وأزهارا غير مرتبة هي في ممر الناس وطريقهم، ورابعة تجد أشجارا متهالكة لم تنظم، بل وقد تجدها ميتة، الكثير من التلوث البصري لم يتغير، وحقا إن لحظة بالعين أصدق من لفظة في تقرير.

جُلّ ما كان من المبادرة الرائعة هو زيادة لوحات الطرق الملوثة للبصر، مع إضافة غيرها من الدعايات بمناسبة فعاليات الصيف، وزيادة في تكسير الشوارع وحفرها وانتظار فرج إصلاحها، وصب كامل الاهتمام على غابة رغدان وترك باقي المنطقة للزمان.

وأخيرا أقول لأمانة منطقة الباحة المثل الألماني «من أراد أن يسير باستقامة في طريق معوج كان عليه أن يهدم بيوتا كثيرة».