استبشرنا خيرا بتقويض حصون «داعش» في الموصل، وعدّها بعضهم الخطوة الأولى لتطهير العالم من هذه الفئة الباغية، التي بنت منهجها على القتل والتدمير.
وإن كان في دكّ معاقلهم فرصة للخلاص، إلا أن البذرة ما تزال تكبر وتتمدد.
فِكْر «داعش» يتغلغل في عقول كثير من شباب المسلمين، والنتيجة الحتمية لهذا التمدد قيام جماعات أخرى تستمد نهجها من الجذر، حتى وإن غاب أو تم القضاء عليه كعدة وعدد، لأن المحرك لقيام مثل هذه الحركات المتطرفة، هو فكرها الذي تبذل جهدا خرافيا في عملية نشره وتأصيله، لتضمن بقاءه حتى وإن جُوبِه بحرب ومطاردة، وما إن يجد فرصة حتى يعيد تشكيل نفسه من جديد.
لذلك، لا بد أن يُحارَب فكر «داعش» ومنهجها، حتى نستطيع القول: إن «داعش» تلاشت بالفعل، ولنا في الجماعات المشابهة مثالا.
ففكر القاعدة ما زال حاضرا بقوة، على الرغم من محاربة هذه الجماعة ومطاردتها في أوكارها التي نمت وتكاثرت فيها، غير أنها تناسلت لتخرج من رحمها جماعات متطرفة لها المبدأ نفسه، وإن غالت في الإرهاب أكثر، لكن الطريقة هي ذاتها في الكراهية والحقد على البشرية، ولا ننكر أنها خبرت عقلية المجتمع والطرق الأكثر تأثيرا عليه، وإن لعبوا في السابق على وتر الدين والتهديد الذي يتعرض له، بسبب تداخل المسلمين مع غيرهم من الملل في علاقات جوار وتبادل تجاري وتقني، فإن العذر هو ذاته الذي أشعلوا به فتيل التناحر والتباغض بين المسلمين أنفسهم، لتقوم حروب طائفية بين أبناء الوطن الواحد، ولتكن النتيجة تجزئته على أساس عرقي ومذهبي، كما هو حاصل الآن في العراق وسورية ولبنان، وغيرها من البلدان التي ما زالت ضمن مخططات بعض الدول المعادية لنا، والتي تسعى جاهدة إلى تنفيذها، مستغلة تلك الفجوة التي أحدثتها جماعة داعش وغيرها.
إذن، لا بد من تغيير إستراتيجية مكافحة الإرهاب والإرهابيين، بمعالجة ما أحدثوه من خلل فكري في عقول المجتمعات الإسلامية، وتوضيح منهج الإسلام الصحيح، والقضاء على خلاياهم في الداخل، والتي لا تحارب بالسلاح، وإنما بإعمار العقول بأفكارها المتطرفة، متخذة من مساحة الحرية المتاحة لكل معلم أو مصلح ستارا تتحرك خلفه، مستغلة العاطفة الدينية لدى من استطاعت تجنيدهم في التغلغل أكثر، والوصول إلى مواقع يصعب الوصول إليها، وساعدها الفضاء الإلكتروني أيضا إلى اختصار المسافات، وإذا لم تُواجَه بسلاحها نفسه، فإن مسألة القضاء عليها لن تكون سهلة أو سريعة.