محمد العتيبي
في كل عام يحل علينا رمضان ضيفا كريما، يحمل معه الخير والهدى والبشرى، ومحطة جديدة من محطات الحياة، يتزود فيها المسلم في طريقه إلى ربه عز وجل، وعندما ينقضي شهر الرحمة، ينقسم الناس من بعده إلى فريقين: فريق اجتهد وثابر وقدّم كل ما لديه، مستغلا كل لحظة من لحظاته المباركة ليتقرب إلى خالقه أكثر، وفريق أقل من ذلك في السعي والمنافسة، وفي كلتا الحالتين اكتشفنا أننا قادرون على ترويض أنفسنا، والدفع بها إلى فعل الخيرات والطاعات، من صلاة وصيام وصدقة ودعاء وقراءة القرآن، وكذلك بالبعد عن المحرمات بأشكالها حتى في غير رمضان. نستطيع أن نقيم الصلوات الخمس المفروضة ونصليها في أوقاتها -حتى ولو لم نأخذ كفايتنا من النوم- فالإرادة والعزيمة بلغتا ذروتهما بشحنات إيمانية متجددة، ونستطيع أيضا أن نحافظ على صلاة السنن.
اكتشفنا أننا قادرون على الصيام والصبر على الأكل والشرب، فما الذي يمنعنا عن صيام التطوع 3 أيام من كل شهر، أو الإثنين والخميس، وغيرها؟
وبعد انقضاء شهر الخير، وجدنا أن بوسعنا التصدق والجود بما نملك على الفقراء والمحتاجين، فلماذا لا نستمر في البذل والعطاء بأموالنا ولو بريال واحد كل يوم؟
ولماذا كذلك لا نستمر في العطاء والتصدق بأخلاقنا، خلال السلوك الحسن والابتسامة الساحرة؟
اكتشفنا أن باستطاعتنا قراءة جزء من القرآن يوميا، فما الذي يحول بيننا وبين قراءة صفحتين أو صفحة على الأقل في اليوم والليلة؟، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ليس في قراءة القرآن فقط، بل في سائر العبادات، واكتشفنا أن بإمكاننا الإصغاء والاستماع للقرآن من الإمام وهو يقرأ بكل تدبر وخشوع وطمأنينة، أو خلال أي وسيلة، ولا ننسى أن المستمع للقرآن شريكٌ للقارئ في الأجر، وله في كل حرف يسمعه حسنة كأنه من يقرأ، كما قال الشيخ ابن باز «رحمه الله».
واكتشفنا من دروس رمضان، أن الدعاء ليس بالأمر العسير، فبإمكان أحدنا أن يرفع يديه في أي وقت داعيا الله بما فتح عليه من الأدعية، وبما جاء في السنة من جوامع الدعاء، بلذة وتضرع وانكسار، وثقة بموعود الله من الاستجابة التي لا تخرج عن 3 حالات: «الاستجابة المعجلة في الدنيا، أو بدفع البلاء، أو بتأجيلها ليوم الحساب»، ففي كل الأحوال خير.
وبإمكاننا ترويض النفس وتوجيهها بالبعد عن المحرمات، وأن نستشعر ونتيقن أن الشيطان هو عدو الإنسان الأكبر، ويظهر ذلك جليا في هذا الشهر الكريم، إذ تُصفّد الشياطين، فيزيد إقبالنا على الخير والطاعة، وبالإرادة والمجاهدة -بعد توفيق الله- نتغلب على هذا العدو، ونكتشف أنفسنا من جديد، وننجح ونفوز في مدرسة رمضان. وكل عام وأنتم بخير، وإلى الله أقرب.