فهد البقمي



سواء صحت تصريحات سمو أمير قطر أو لم تصح، فإن مضامينها وتطبيقاتها، على هذا النحو أو ذاك، جليّة في النهج السياسي لقطر. حيث اختارت الدوحة الاستثمار في جماعات الإسلام السياسي وتبني خطاب المعارضات السياسية، واستمرأت رفع كلمات الحق التي لا يراد بها إلا الباطل، لتكون فكرة العدالة شَرَكا لاقتناص كرسي السياسة، ما يجعل قطر ضالعة في إشعال الحرائق التي اجتاحت العالم العربي، فيما سمي «الربيع العربي»، وانتهت كما نرى، لما هو أسوء مما كان قائما، بل صارت العودة للوضع قبل الثورات أشبه بالحلم بعيد المنال، وأصبح الخروج بأقل الخسائر همَّ من تعنيهم مصلحة البلاد والعباد. أما من انساقوا خلف التعبئة والتجييش وهم يتطلعون لمزيد من الإصلاح والتنمية والحرية في الفضاء العام، أي من قبيل الكماليات وقتها، فيبحثون الآن تحت الركام عن قليل من الأمن والخبز، أي ما هو من صميم الضروريات الآن.

لقد ثبت أن السياسة ليست عصى موسى، وأن الإلحاح على إجراء تغييرات متسرّعة فيها لن يجعل الأوضاع أحسن بالضرورة. ومن أتيحت لهم الفرصة، فوصلوا لسدّة الحكم، لم يتأخر فشلهم طويلا في اختبارات الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلدان التي لبت نداء الفتنة وأسقطت حكّامها. وكانت الهوّة بين وعودهم وما أنجزوه أكبر من الهوّة بين وعود من سبقوهم وما أنجزوه. وبدا وكأن الشعوب ضحّت بالغالي والنفيس، فقط لتغيير الوجوه، فقدمت حاضرها ومستقبلها دورة تدريبية مجانية لجماعات التزمّت والعنف والانتهازية، التي نذرت على نفسها ألا تتعلم إطلاقا من أخطائها وخطاياها!

ورغم ذلك، فإن قطر لم تنزع عن غيّها واندفعت تصب زيت الإسلام السياسي على نار الثورات، لتحرق المزيد والمزيد، حيث كل وسيلة لتوسيع نفوذ الدوحة إقليميا ودوليا: مباحة، حتى وإن كان الإرهاب نفسه! الأمر الذي جعل التصدي لهذا الجنون ضرورة ما كان للرياض أن تتقاعس عنها، فاختارت الاستقرار، وكانت محاربة الإرهاب وشد أزر الدول المتضررة منه استراتيجيتها المعتمدة التي ستتعارض قطعا مع من كانت إشاعة الاضطراب واستخدام الإرهاب استراتيجيتهم المعتمدة.