لأننا مهتمون -وبشكل مستمر- بالشأن اللبناني أولا والعربي ثانيا، فإنني أردت اليوم أن أتوجه برسالة عاجلة إلى دولة الرئيس سعد الحريري، تحمل مجموعة نقاط للمرحلة القادمة في لبنان والعالم العربي.

دولة الرئيس، إن ما قدمته أنت شخصيا للبنان منذ استشهاد والدك الرئيس الشهيد رفيق الحريري وحتى اليوم،

لا يمكن لأحد أن ينكره، فعطاؤكم واهتمامكم باللبنانيين، وحتى السوريين الذين أذكر جيدا كيف تظاهروا في إدلب وبلداتها ومحيطها وفي درعا وحمص وحتى في دمشق، وهم يرفعون صورا لك، وشعاراتهم يومها كانت «وينك يا سعد السعود ثورتنا لأجلك بارود»، و«سعد الحريري كلنا فداك»، قام هؤلاء بهذه المبادرات لأنهم وجدوا فيك ذلك القائد الذي خسر والده بالأمس على يد نظام يقتلهم اليوم بأبشع الطرق. لم تكن صورتك هي الوحيدة التي رفعها الشعب السوري، بل علقوا صور الشهيد رفيق الحريري في منازلهم، وتحديدا في العاصمة السورية دمشق، وعدّوه رمزا من رموز ثورتهم، وأن هذه الثورة ستكون الطريق للقصاص من المجرمين في النظام وحلفائه الذين تورطوا ونفذوا عملية الاغتيال.

إن محبتك للشعب السوري ومحبته لك لم تكن نتيجة الثورة وتضامنك مع أهلها، بل هي النتيجة الطبيعية لتضامن مشترك بينكم منذ قيام هذا النظام الإرهابي بعملية الاغتيال الأفظع لأحد أهم الشخصيات السياسية والاجتماعية على مستوى المنطقة العربية والعالم، وهو الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

دولة الرئيس، إن سعيك الدائم إلى إيجاد حلول إيجابية لمشكلات لبنان، والضغوط التي يتعرض لها باستضافته مئات آلاف السوريين، لا يمكن نكرانها، وأنت الذي شاركت في مؤتمر دولي لدعمهم، وتقديم المساعدات لهم، وتوفير فرص العمل والحياة الكريمة لهم، ولهذا فإن مسؤولية حمايتهم اليوم تقع على عاتق الدولة وأجهزتها، وإبعادهم عن شبح الإرهاب يحتاج إلى تقديم كل الدعم لمشاريع ترفيهية وتعليمية وتوعوية تساعد على تنمية الأشخاص وتثقيفهم بثقافة تبعدهم عن فخ الإرهاب الذي يتسلل إلى مخيماتهم في الظلمات، خاطفا أحلامهم ومستقبلهم الذي نعرف نحن كلبنانيين، أنك الأكثر عملا وسعيا للحفاظ عليه.

دولة الرئيس، إن حكمتكم في اتباع سياسات تلاق وحوارات مع الأحزاب الأخرى أسهمت إلى حد كبير في تخفيف التوتر في لبنان، والبدء بمروحة عمل حكومية توصلت إلى الاتفاق على قانون للانتخابات، وتستعد لتنظيمها قريبا، إضافة إلى السعي الدائم لجذب السياح والمستثمرين إلى بلدنا، لتنمية المرافق السياحية ودعمها، وزيادة فرص العمل فيها ومساعدة الذين تخرجوا في الجامعات على إيجاد فرص عمل في مجالات تخصصوا فيها ودرسوها لسنوات، لذا لا يمكن النظر إلى كل ما عملتم به ومن أجله إلا بكل تقدير واحترام، والواجب في هذه المرحلة وقوف الجميع خلفكم في تطوير المشاريع والأفكار، وتحويلها إلى واقع يسهم في دعم لبنان أولا.

لقد دخلتم المعترك السياسي بثروة مالية ضخمة، وكنتم يا دولة الرئيس من الشخصيات النادرة التي وبعد 12 سنة لم تزد ثروتها بل نقصت، وهذا إن دل على شيء فهو على أنكم كنتم اليد النظيفة التي عملت على دعم لبنان، وعدم السماح بجره إلى عالم السرقات والاختلاسات، مما أزعج محور الممانعة والمقاومة، فتآمروا على حكومتك قبل سنوات مضت، وعدتم إلى الحكومة لأنكم الأقدر والأجدر على تحمل هذه المسؤولية، وضحيتم بخسارة مالية ضخمة، إضافة إلى منافسة على المستوى الشعبي، إلا أنكم -وبكل إصرار- جددتم الشعار «لبنان أولا»، ولولا تضحياتكم لما شهدنا انتخابا لرئيس الجمهورية أو حتى إقرار قانون للانتخابات، ولبقي لبنان دون رأسه وبعيدا عن الوصول إلى سدة البرلمان حيث تقر التشريعات، ولربما وجدنا أنفسنا في مواجهات تعيد الحرب الأهلية إلى شوارع مدننا وبلداتنا.

دولة الرئيس، لأننا نثق فيك، ونعرف أننا معك وبك سننتصر لهذا الوطن ولشعبه، وحتى ضيوفه السوريين الذين ينتظرون عودتهم إلى وطنهم قبل أي شيء، فإنني وبهذه الرسالة أردت أن أحملك المسؤولية الكاملة عن:

• الاستمرار في الصبر على بلاء الخصوم في السياسة وتهديداتهم وضغوطاتهم ومتطلباتهم.

• العمل المستمر على تطوير مشاريع، وجذب مستثمرين يسهمون في إعادة النمو وإنعاش الاقتصاد، وتوفير فرص العمل.

• العمل على إعادة تشغيل مطار القليعات، مما سيوفر فرص عمل كبيرة لأهلنا في الشمال «ويؤمن عودتنا سالمين إلى لبنان، ويشجع كثيرين على زيارة بلدنا أكثر لأسباب أمنية تمنعهم من القدوم عبر مطار رفيق الحريري الدولي - بيروت».

• العمل على تنمية بلدة عرسال اللبنانية، وتقديم ما يلزم لسكانها وتجارها والاستفادة من خيراتها، وفرض حماية الدولة وأجهزتها الأمنية فقط عليها، بعيدا عن الأحزاب والميليشيات التي كانت السبب في تشويه صورة هذه البلدة العريقة.

• الاستفادة من خبرة الضيوف السوريين في الزراعة والإعمار في لبنان، مما سيسهم في ارتفاع نسبة الإنتاج والتطور العمراني، حتى عودتهم إلى أرضهم، طبعا ضمن اتفاقيات مع الأمم المتحدة والمفوضية التي تعنى بشؤون اللاجئين.

• إعادة تأمين المنح الدراسية الجامعية للطلاب، للحصول على أفضل تعليم -شرط عودتهم إلى لبنان- للاستفادة من خبراتهم التي سيكتسبونها خلال دراستهم في جامعات أجنبية.

• الأهم في هذه المرحلة دولة الرئيس، هو أن نغربل محيطنا، ونبقي على من يحبنا فعلا، ويعمل من أجل مصلحتنا ومصلحة لبنان لا من أجل مصالحه الشخصية الضيقة، ومع الأسف إنهم كُثُر وأصبحوا متشعبين داخل مؤسساتنا.

إن النقاط كثيرة، ولكننا نشرنا أبرزها، والتي من الممكن تحقيقها في فترات قريبة، ونحن كلنا ثقة في أنكم لن تستسلموا لأي ضغوط، وستعملوا من أجل مصلحة الشعب اللبناني بكل طوائفه ومكوناته، وأنكم تعلمتم من الشهيد رفيق الحريري حب هذا الوطن وعشق عاصمته وشعبه ومقدراته، وبعلاقاتكم المترابطة والقوية مع المملكة العربية السعودية، ستتمكنون من تخطي أي مصاعب اقتصادية تواجهونها، وستعيدون للعلاقات بين بلدينا الدفء والمودة والأخوة، وسنرى آلاف السعوديين يستمتعون بقضاء إجازاتهم بلبنان في كل الفصول، لأننا على ثقة بأنهم ما زالوا يعتبرون لبنان بلدهم الثاني، وبحكمة وقيادة الملك سلمان وولي عهده الشاب الطموح محمد بن سلمان، ستكون العلاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أقوى من أي وقت مضى، وطبعا لن يحصل كل ذلك إلا بجهودكم وعملكم المستمر لتحقيق ذلك.

لأنك سعد الحريري أولا، ونجل ووريث رفيق الحريري السياسي ثانيا، فنحن معك كنا وسنبقى، وبحكمتكم وصبركم سننتقل بلبنان من عهد إلى آخر أكثر انفتاحا وازدهارا وتعايشا وسلما واقتصادا قويا وسياسة خارجية وداخلية حكيمة رصينة، لا تسمح بالكيديات وشق الصف، والتطاول على دول حليفة وصديقة، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين.