في تعميم عاجل وجه وزير التعليم الدكتور أحمد العيسى لجميع الجامعات وإدارات التعليم في المناطق وقطاعات الوزارة والمؤسسة العامة للتدريب المهني تأكيده على خلوها من مؤلفات يوسف القرضاوي في مكتبات الوزارة وما يتبعها، بعد أن ورد اسمه ضمن القائمة التي ضمت تسعة وخمسين فردا واثنتي عشرة منظمة كداعمين ومروجين للإرهاب في بيان للحكومة السعودية ودولة الإمارات ومملكة البحرين والجمهورية المصرية منتصف الشهر الماضي. أتى التوجيه من الوزارة في إطار الحرص على خلو أماكن التعليم والتربية من وجود ما يشتبه به من الكتب أو المجلات والدوريات التي قد تتضمن فكرا منحرفا يؤدي للتطرف والإرهاب وتبني أهداف الأحزاب الإرهابية كالإخوان المسلمين التي ينتمي لها القرضاوي.

كانت وزارة التعليم قد بادرت في السنوات المنصرمة وفي عهد بعض وزرائها المتعاقبين بالتشديد على محتوى المكتبات المدرسية، وأرفقت بالفعل قائمة بعشرات الكتب التي كانت موجودة بالفعل والتي ينبغي على المدارس التخلص منها، وألزمت الإدارات المدرسية والمكاتب التعليمية بعدم قبول أي إهداءات أو تبرعات من الكتب

أو المنشورات إلا بعد التصريح لها من جهة رسمية تتبع الوزارة تتأكد من سلامة محتواها من الفكر الإرهابي.

لطالما كانت معركتنا مع الإرهاب قائمة من قبل حتى أن تتنبه لها الوزارة في تلك الكتب وغيرها، وما زلنا نعاني من الأسباب المؤدية إليه أو التي تُبقيه كبذرة خبيثة في الصدور والعقول تنتظر أرضا مواتية تحتضنها وتثمر فيها شيطنتها.

التشدد في فهم أمور الدين وفي طرق تلقيه وفي الاعتماد على التراث دون نقد وتصفية من رواسب لا تتناسب

مع وقتنا المعاصر، أو تتعارض مع قيم السلام والعدالة، سواء في فكر منظري الإخوان أو فكر المائلين نحو داعش هي الخطر الذي لم يزل قائما في مدارسنا وجامعاتنا وجوامعنا.

التخلص من الكتب والمصادر الإخوانية والإرهابية المختلفة سهل بمثل هذه الإجراءات، ومحاصرتها بمحاضر رسمية لا تعدو كونها إجراء رسميا يثبت حدوث تحرك مطلوب، ولكن في وقتنا المعاصر لم تعد المصادر للتشدد من كتب ومحاضرات بتلك الصعوبة حتى يصل إليها من يرغب في الوصول، بل الأدهى في أن تكون هناك عقول وأشخاص يعدون مستودعا لذلك الفكر ومؤصلين للتطرف بتشددهم، ومؤمنين بالإخوانية كمنهج حياة ينتظرون

معه خلاص «الأمة» من أعدائها بظهور الخلافة الإسلامية التي يسعون لإقامتها ولو على جماجم المسالمين، ويسخرون لأجل أهدافهم الأشخاص والوقت والجهد والمستقبل برمته.

هل هذا يعني أن مدارسنا العامة وجامعاتنا لا تخلو من الفكر الإخواني والمتشدد الإرهابي من الأفكار الأخرى المعادية للإنسانية والوطنية؟

من ينكر هذا فهو حالم منفصل عن الواقع، فهم ليسوا في مفاصل التعليم وحسب، بل إن فكرهم أصبح مسلما به ومبررا حتى لدى السذج الذين تنطلي عليهم حجة التدين والتقرب من الله والخوف على مصالح المسلمين، هم خانسون الآن أكثر مما كانوا عليه قبل سنوات، ولكنهم ما زالوا بيننا، بوعي أو بغير وعي، يعطلون كل محاولة للرقي بالوطن والنهوض بالتعليم وتحسينه، ويمعنون في خلق أسباب البغضاء بين أفراد المجتمع بانتهاج أسلوب التفريق بين أفراده بالعنصرية المذهبية، وتسفيه الوطنية والاستخفاف بها، وتهميش المرأة وتحقيرها، وخلق فجوات بين الواقع والتفكير بالأفكار الأحادية المتطرفة، وقتل مواطن الجمال وتبشيعها في أعين العامة ممن يسهل انقيادهم نحو ما يقولون.

في وجود مثل هذه الحواضن البشرية التي تتبنى عمدا أو من غير عمد أفكار يوسف القرضاوي وساداته الهالكين، أو تنتهج أفكار غيرهم من المتشددين الإرهابيين في الفكر والسلوك، كيف من الممكن أن تتصرف وزارة التعليم وهي القناة الوحيدة المباشرة للتعامل مع عقول النشء منذ سنوات حياتهم الأولى وحتى عمرهم الجامعي ذروة الحماس والإيمان بما يعتقدون؟ ليس الأمر بالسهولة أن يتم حصرهم من المدارس والجامعات والإدارات التعليمية ثم التعامل معهم كالتعامل مع الكتب المحظورة، خاصة أن طبعهم التلوّن وإظهار غير ما يبطنون حينما يشعرون بوعي المقابل لهم لخطرهم.

التعامل مع الفكر الإرهابي والإقصائي والمتشدد وأي فكر طارئ على الطبيعة الإنسانية السوية لا مجال للتعامل معها إلا عبر الفكر أيضا، توعية فكرية رصينة ومدروسة وعلى أيدي أشخاص وطنيين مسؤولين، أو علماء فكر وفلسفة عالميين يتحدثون مع الأجيال الناشئة في مدارسنا وجامعاتنا عن مخاوفهم وآمالهم، ويعرون أمامهم كل الأخطاء السابقة، ويعيدون لهم ثقتهم في وعيهم الإنساني السوي الذي لم تشوهه الصراعات الدينية والمذهبية والسلطوية، ويزرعون فيهم الولاء للوطن كأولوية. حتى يحين الوقت الذي يؤمن فيه المسؤولون لدينا بالحاجة لتغيير نظام التعليم كاملا، بدءا من التعديل والإضافة على سياسته العامة، مرورا بطواقمه ومناهجه وليس انتهاء بمخرجاته.