عبدالقادر الغامدي



يحدث أحيانا في بعض العوائل أن يكون آخر العنقود من الأبناء حتى وإن بلغ من العمر عتيا، مصدر قلق وإزعاج للعائلة. فهو لا يحترم كبيرهم ولا يوقر صغيرهم، ويحاول دائما أن يكون في الصورة في كل موضوع، ويجب الأخذ برأيه في كل شاردة وواردة وإن لم تفعل العائلة ذلك يبدأ في الانتقاد والسباب، ظنا منه أنهم تجاهلوه لأنه أصغر فرد في العائلة. هذا الحال ينطبق على حكام دولة قطر.

 فأسباب ما يفتعلونه من إزعاج وخلق توترات للجيران والمنطقة بأكملها هو إحساسهم بالنقص لصغر حجم دولتهم وقلة سكانها، فيحاولون إكمال هذا النقص بأسلوب المشاكسة والاستقواء بالكبار واتباع سياسة خالف تعرف. يكرر القطريون بعد المقاطعة مقولة «لماذا تجترون الأخطاء السابقة ودعونا نكون أولاد اليوم»، وربما أو أكاد أجزم أنهم يقصدون بالأخطاء السابقة تسجيل الحمدين المخزي عن المملكة وحكامها. ولكن حتى لو تجاوزنا ذلك التسجيل، دعونا نحتكم إلى ما يصدر اليوم من تصرفات غريبة ومخيفة من قطر.

ماذا نسمي تقديم معونة بقيمة نصف مليار دولار للحشد الشعبي الإرهابي الذي يتباهى بقتل السنة في العراق. اختلقوا مسرحية خطف الصيادين القطريين من قبل الحشد الشعبي لتبرير تمرير الأموال، ولكن المسرحية لم تكن محبوكة فأشكال المخطوفين وهم ينزلون من الطائرة بعد تحريرهم من الاختطاف لا يدل على أنهم عانوا ولو ليلة واحدة.

ما فتئت قناة الجزيرة في إعادة تصريح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي عن تلك الأموال ولم تعلم أنها قدمت دليل إدانة على الحكومة القطرية، وذلك أن العبادي قال فيما يخص الأموال أنه تم وضع اليد عليها وأنها في حرز آمن. وهذا يعني أنها لم تكن موجهة للحكومة العراقية بل كانت موجهة إلى جهة أخرى خارج الحكومة، والدليل قول العبادي «تم وضع اليد عليها». وماذا نسمي إيواء الإرهابيين من طالبان والقاعدة وداعش ورموز متمردي البحرين الذين ذكرت أسماؤهم مع المنظمات التي ينتمون إليها في البيان الذي صدر عن السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

وماذا نسمي الهجوم المتواصل والمبتذل على مصر ووصف الثورة على حكم الإخوان بأنها انقلاب. وماذا عن دعم المسلحين في ليبيا بالتحويلات المالية والتي تم تمريرها عبر تونس، وقيام تونس الآن بالتحقيق في تلك التحويلات المشبوهة. وماذا عن التواصل مع إيران والحوثيين وجبهة النصرة والتي هي فرع من القاعدة وإسرائيل؟

هذه وغيرها كثير من التصرفات المريبة لم تحدث في عهد «الحمدين» ولكنها حدثت في عهد تميم وهو من يسأل عنها. لم يستغل الحكام في قطر جوارهم للمملكة العربية السعودية التي وفرت لهم الأمان من أي تدخل خارجي على مدى عشرين سنة على الأقل، وهي المدة التي بدأت فيها قناة الجزيرة في الهجوم على الأنظمة العربية بكل صفاقة. فلو كانت قطر تقع جنوب مصر أو سورية مثلا لما تجرأت على النطق ببنت شفة بما يثير حفيظة هاتين الدولتين. ولكنها لم تستغل الجوار الآمن بل تمادت وهي الآن تحصد ما زرعت. ومن الغرابة أن دولة قطر استمرت في سياسة الاستقواء بالقوى الكبرى حتى بعد المقاطعة. فعوضا عن التوجه إلى الجوار الخليجي والعربي لإيجاد حل للأزمة، توجه وزير خارجية قطر إلى ألمانيا وتركيا وروسيا.