كثير من الناس -للأسف- يهمشون أو يقللون من أهمية الرقابة الصحية على الأغذية، وهذا التهميش انعكس على اللوائح والأنظمة الخاصة بالرقابة الصحية، والتي لا تتناسب مع مدى الخطر الهائل المصاحب للأغذية الملوثة.
فكثير من المعتقدات الخاطئة والشائعة عن الغذاء مثل «النار تاكل كل شي» و«طول عمرنا ناكل منها ولا صار لنا شي» معتقدات غير صحيحة، فالنار قد توقف خطر بعض أنواع الجراثيم، لكن تلك الجراثيم هي غيض من فيض، من الأخطار البيولوجية والكيميائية الأخرى الأكثر خطورة، وقد لا تظهر تلك الأخطار مباشرة، لكن نتيجة تراكم تلك السموم بشكل تدريجي، قد تظهر -لا قدر الله- على شكل أمراض خبيثة كالسرطان والفشل الكلوي وغيره. وكم من حالات ملأت المستشفيات ونتجت عنها خسائر كبيرة في الأرواح والأموال.
فرغم ما نجده يوميا من أخبار جديدة عن أطنان من المواد الغذائية الفاسدة المتلفة، والمضبوطة من البلديات والجهات الحكومية المختلفة، ورغم الجهود الكبيرة المبذولة من البلديات، إلا أن تلك الحالات في تزايد مستمر.
أسباب كثيرة ربما تكون وراء ذلك التزايد، أهمها ضعف العقوبة، فمن أمن العقوبة أساء الأدب.
إن اللائحة الحالية للغرامات عن المخالفات الصحية، هي جزء من لائحة الغرامات والجزاءات البلدية، إلا أنه توجد حالات كثيرة تكشف ضعف تلك اللائحة، وحاجتنا إلى تعديل تلك اللوائح لتكون أكثر شمولية وأكثر صرامة، وتأخذ في الحسبان نوعية المخالفة والمخالف والضرر الناتج عن المخالفة، وتتضمن كذلك تصنيفا للمخالفة في حال كونها مخالفة أو كونها جريمة تعمد صاحبها عملها. فكثير من الحالات يتعمد المخالف عمل المخالفة وتلك المخالفات ينتج عنها ضرر كبير لتخرج من إطار كونها مخالفة، وتصل إلى مرحلة الجريمة، ولكن رغم ذلك تحت النظام الحالي للرقابة الغذائية تصنف على أنها مخالفة.
ومن الأمثلة على تلك الجرائم -على سبيل الذكر لا الحصر- بيع المنتجات منتهية الصلاحية والتالفة بالتعمد، أو في حال بيع مزروعات ملوثة بالمبيدات أو بمياة الصرف الصحي المشبعة بالمعادن التقيلة والملوثات، أو بيع الأغنام الميته والهزيلة على المطاعم، وأقصى حد للغرامات المفروضة على تلك الجرائم في اللوائح الصحية لا يتجاوز الـ20 ألف ريال، مقابل جريمة قد تنتج عنها خسارة حياة عدة أشخاص!
هذه الغرامة -من وجهة نظري- تعد غرامة عبثية، وبالنسبة للمخالف ربما يستطيع تحصيل أضعاف هذا المبلغ خلال حملة أو حملتين من تلك الأنشطة المخالفة.
مع احترامي لكل الأنظمة، ولا أقلل من أهميتها، لماذا لا يكون السجن مصير من يتعمد العبث بأرواح الناس، خلال نشر الموت والأمراض الخبيثة بالغذاء الفاسد، طالما أن المخالف لأنظمة العمل والتجارة والمرور يسجن ويغرم بمبالغ مادية كبيرة.
أيضا، بالنسبة للغرامات المادية للمخالفات، يجب رفع مبالغ الغرامات وربطها بحجم ونوع المنشأة، والضرر الناتج عن تلك المخالفة، فالضرر الناتج عن مخالفة منشأة حجمها لا يتجاوز 16 مترا مربعا، يختلف عن الضرر الناتج عن منشأة غذائية كبيرة يرتادها عدد كبير من المواطنين، ومبلغ المخالفة بحده الأدنى في حال المنشأة الصغيرة، ربما يكون رادعا لضمان عدم تكرار تلك المخالفة، بينما الغرامة نفسها بحدها الأعلى لا تشكل أي رادع للمنشأة الكبيرة.