إحدى الأزمات التي تواجه طالبي العمل في القطاع الخاص هو متطلب التحدث والكتابة باللغة الإنجليزية، وهذه الأزمة تنعكس من المؤسسات التعليمية التي ترفض تقديم حصص متقدمة للإنجليزية. وهو ما حرم الكثير من طالبي العمل فرصا أفضل رغم إمكانات بعضهم المتقدمة في الإنتاج.

لو علمنا أطفالنا في سن مبكر إتقان اللغة الإنجليزية كلغة ثانية عبر مؤسسات التعليم، فلن يشكل ذلك أي خطر

على اللغة العربية ولا على ديننا الإسلامي، إلا إذا كنا في الأساس نتجه للقضاء على لغتنا الأم، وهذا لن يحدث، لكون اللغة العربية مسلما راسخا في تكويننا الثقافي وترتبط حتى بقداسة ديننا.

مملكة الأنباط العربية التي سبقت نزول الإسلام بقرون، كانت أحد أهم مراحل تطور العرب ثقافيا، وكانت مملكة مزدهرة مدنيا وعمرانيا، وتمتد مساحتها من الحجاز السعودية حتى البتراء الأردنية، وكان أهلها يتحدثون باللغة العربية ويتراسلون ويدونون باللغة الآرامية التي كانت حينذاك لغة عالمية كحال الإنجليزية في هذه الأيام، ومع ذلك لم يشكل ذلك أي خطر على اللغة العربية، بل إن العربية تطورت أكثر بالاعتماد على عدة لغات منها الآرامية.

أهم الأزمات الكبيرة التي تواجهنا حضاريا هو ضعف حركة الترجمة كما هو معروف، والتي لا تستطيع حتى الآن مسايرة الإنتاج العلمي المتلاحق عبر ترجمته ونقله إلى اللغة العربية لكي تصبح العربية هي لغة العلم في كافة المجالات العلمية، كالرياضيات والطب والفيزياء والكيمياء والهندسة وعلم الاجتماع والنفس وغيرها، ولذلك صارت معظم الجامعات العربية عاجزة عن الترجمة لتستعين باللغة الإنجليزية كوسيلة لمتابعة الإنتاج العلمي، بل إن الجامعات التي تعتمد اللغة الإنجليزية كلغة أولى هي الأفضل عربيا في تقديم الكفاءات العلمية والمهنية.

حتى الشهادات المهنية للدولة لا تزال معتمدة بالإنجليزية، ويعجز معها الكثير من السعوديين والعرب من الحصول عليها بسبب حاجز اللغة، كما أن إتقان الإنجليزية يقدم للمواطن فرصة الانفتاح على أكبر مصدر معلومات في العالم في كافة المجالات، حتى لو كان بالحصول على دورات مهنية متقدمة أو إيجاد فرص تعليم أرخص وأسهل. والأهم من ذلك أن كثرة المتحدثين باللغة الإنجليزية كلغة ثانية سوف يساعدنا أيضا على إثراء حركة الترجمة بشكل أسرع وأفضل، وهو ما سيخدم اللغة العربية في نهاية المطاف.

أزمة التعلق بالماضي ووضع رؤوسنا في الرمال والهرب من الواقع لن يفيد وسوف نصطدم أكثر بالواقع ونخسر الوقت والجهد، ونستمر بالدوران في حلقات مفرغة من الصراع العبثي، كما أن تعليم أبنائنا اللغة الإنجليزية كلغة ثانية بجانب لغتنا الأم لن يخدمنا فقط في حياتنا، بل سيخدم اللغة العربية نفسها كي تتطور، وهو ما حدث لمعظم اللغات القديمة، كاللاتينية التي تتكون من جذور لغوية عربية كبيرة جدا وراسخة في صلبها، خاصة بعد سقوط الأندلس وتغير الدورة الحضارية.

هذا ينقلنا أيضا إلى أزمة التعلق باللغة العربية التقليدية الكامنة في المعاجم القديمة، وإصرار اللغويين التقليديين على التعامل مع اللغة وكأنها صنم، ورفض كل الكلمات الحديثة أو دخول ما يطلق عليه بالكلمات الأعجمية في

لغتنا العربية، رغم أن هذا ما يحصل فعليا على أرض الواقع وبحتمية قوانين الحياة من خلال اللهجة العامية، دون فهم طبيعة اللغة القائمة على التغير وحاجتها لدخول الألفاظ المستحدثة كحالة تطور لوسائل التعبير تنعكس من الثراء أو التغير الحضاري المستمر، كما أن لغتنا العربية تملك قابلية هائلة على التطور والتماشي مع المتغيرات وعلى استحداث ألفاظ للمعاني الجديدة ومرونة في تكوين الألفاظ، فهي اللغة التي جاءت كذروة تطور للغات الإنسانية في منطقة الجزيرة العربية والشام والعراق، ولذلك نجد أن إمكاناتها الأساسية تتفوق على اللغات الأوربية التي ظهرت في القارة الأوروبية بعيدا عن المراكز الحضارية الإنسانية الأولى التي تطورت من خلالها اللغات الإنسانية.