الغضب، ذلك الشعور المدمر الذي يحرق الأخضر واليابس. هو قنبلة موقوتة تعصف بكل شيء جميل. الغضب المكبوت يا سادة هو ما يدمر كل شيء حولنا، وينخر في أجسادنا مثل سهام الماء المتساقطة من الشلالات

الشاهقة على الصخر، فتنحته وتجعله أجوف، كذلك الغضب يترك الجسد أجوف سهل التكسر.

إن الغضب المتفشي في جوانب حياتنا اليومية يحتاج إلى ضبط، فهو -من وجهة نظري- مَن يصنع الإرهابي والسارق والمخرب والعنيف، فمجتمعنا العربي عموما يعج بكثير من المشكلات، بدءا بالحروب مثل حرب سورية، ومرورا بأزمة السكن، وانتهاء بغلاء المعيشة وارتفاع الأسعار والركود الاقتصادي، وكل ذلك يبعث في نفس الفرد مشاعر الغضب حين يواجه واقعا يصعب تغييره. فحين يشاهد شبابنا -على سبيل المثال- مشاهد الحرب في

سورية من قتل الأبرياء، وإزهاق أرواح الأطفال، واعتداء على الأعراض والنساء، وبكاء الشيوخ والرجال، فيصيبهم الغضب، فهم يجهلون كيفية توجيه هذا الغضب بطريقة إيجابية تخدم قضيتهم، ويكونون لقمة سائغة لجنود الظلام وخفافيش الإنترنت، فيتلقفونهم ويجندونهم بطريقة مدروسة وذكية، ليصنعوا منهم قنابل موقوتة فتيلها الغضب المكبوت في وجدان هؤلاء الشباب.

يقول المؤلف والطبيب النفسي، ثيودور إيزاك روبين، الذي كان رئيسا سابقا للمعهد الأميركي للتحليل النفسي، «الشعور بالغضب والتعبير عنه بشكل صحي هو نقيض الجنون».

وتقول الكاتبة جيل لندفيلد، في كتاب إدارة الغضب، «إن دفع الغضب إلى جحيم اللاوعي يمكن أن يحوله من قوة قد تكون إيجابية إلى سلبية عاصفة».

الغضب المكبوت يا سادة هو ما يصنع نسب الطلاق العالية حين لا يعي الزوجان كيفية تفريغ هذا الشعور، دون أن يدمر العلاقة الزوجية. هو ما يجعل الشاب العاطل عن العمل مجرما وسارقا وأحيانا مدمنا، بل هو ما يصنع منه أحيانا قاتلا بامتياز، وفي ذلك تقول الطبيبة النفسية أليس ميلر، مؤلفة كتاب Breaking Down the wall of Silnce، «إن جرائم الطغاة ليست كوارث طبيعية، بل يمكننا أن نتجنبها ويجب علينا ذلك».

وأجد أن المجلات والصحف تطالعنا بكثير من الإعلانات عن دورات تنمية الذات، مثل إدارة الوقت والنجاح والقيادة وتكوين المال، فضلا عن ثورة ما يسمى البرمجة العصبية، ولست ضد ذلك، ولكنني لم أر يوما إعلانا واحدا يتحدث عن دورة في إدارة الغضب، لماذا لا نعالج احتياجات مجتمعنا المهمة، بدلا من الانشغال بأمور أقل أهمية.

لقد اهتمت الدول المتقدمة بمعالجة سلوك الغضب، وأفسحت له حيزا جيدا في أنشطتها الاجتماعية، وبرامج العلاج النفسي، ولديها كثير من حلقات العلاج الجماعي لهذه الظاهرة وهي عبارة عن برامج متكاملة تتيح للفرد فهم المزيد عن الغضب ومسبباته التي ربما تكون مختبئة في باطن العقل، وهي تختلف من شخص إلى آخر، وهي توضح أيضا كيفية التعامل مع غضب الآخرين، وسبل الوقاية من آثاره السلبية. والأهم من ذلك، كله كيفية توظيف الطاقة الجسدية الهائلة للغضب في صنع شيء إيجابي، مثل النجاح وتحقيق الطموحات والتغلب على العقبات، بدلا من توجيهها بشكل سلبي إلى داخل الجسد فتمرضه أو إلى الخارج فتدمر ما حوله.

وختاما، أقول: نحن أولى -كمسلمين- بأن نعالج هذه الظاهرة، لأن خير البشر ومن لا ينطق عن الهوى -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى ذلك منذ أكثر من ألف وأربعمئة عام، حين سأله رجل فقال أوصني فقال له: «لا تغضب، فردد مرارا: لا تغضب»، وإن الهدي النبوي في معالجة الغضب بالوضوء والجلوس إن كنت قائما، لا يتعارض مع الأخذ بالأسباب، ومعالجة الغضب بنظريات العلم والطب النفسي.