لم تكن الأزمة الأخيرة بين ثلاث دول خليجية من جانب وقطر من جانب آخر، أُولَى محطات جدّية الحديث عن مستقبل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والصمود أمام مشروعَين: النظام الإيراني المتمثِّل في ولاية الفقيه ومرشده الأعلى، والإسلام السياسي ممثّلا في تنظيم جماعة الإخوان المسلمين ومرشده العام، فقد سبق ذلك عِدَّة محطات رئيسية لعلّ آخرها الأزمة الخليجية عام 2014 وتَعاطي هذين الجانبين معها.
لا شك أن بين التنظيم الإخواني وولاية الفقيه تقاطعات كثيرة، كما أن في الرؤى والأهداف تناغما بعيدا كل البعد عن الاختلاف المذهبي والعَقَديّ، فالطرفان كلاهما يتفقان على استهداف الأنظمة السياسية في المنطقة، ويعملان على إضعافها وخلخلتها بطرق وأدوات متنوعة. فإذا كانت إيران تعمل على نشر أيديولوجيا ولاية الفقيه وزرع الخلايا وتأسيس الدولة المهدوية الشيعية على أنقاض المنطقة بعد تدميرها، فإن تنظيم الإخوان المسلمين يعمل بالتزامن على الترويج لفكر الإسلام السياسي السُّنّي، وجذب الأتباع، والتأجيج ضد الأنظمة السياسية القائمة والتشكيك في مشروعيتها، وجَعل الولاء للتنظيم ومرشده العام. علاوة على ذلك ارتبط التنظيمان بالجماعات المتطرفة والعمل على تأجيج المذهبية، لا بدوافع عَقَديّة محضة بقدر ما هو استخدام للمعتقَد لخدمة المشروع السياسي وتحقيق أهدافه. وإذا كانت إيران تستغل فرص الخلافات وتعيش على الأزمات وتستثمرها لخدمة مشروعها القائم على تفتيت التكتّلات والانفراد بكل دولة على حدة، فإن تنظيم الإخوان المسلمين يعمل من جانبه على اتِّباع سياسة التأجيج وتوسيع رقعة الخلاف والتحريض المستمر سياسيا وإعلاميا وفكريا، والظهور بمظهر المنقذ تارة والمتعاطف تارة أخرى.
يلحظ المتابع لتحرّكات التنظيمين خلال فترة ما بعد انفجار الأزمة الخليجية، بروز التطابق بين الجانبيين، بخاصة في الجانب الإعلامي ومواقع التواصل الاجتماعي، فنجد إيران تقدم نفسها في صورة المنقذ والمَنفَذ الأهمّ للنظام السياسي القطري، وتعمل على احتوائها وجرِّها نحو خَطِّها السياسي كما فعلت سابقا، ولكنها من الذكاء بحيث تعبّر أحيانا عن رغبتها في انفراج هذه الأزمة بالطرق الدبلوماسية، للتغطية على جوانب التحريض الأخرى.
أما أتباع تنظيم الإخوان المسلمين و«المدرعمين» خلفهم فقد أصَمّوا آذاننا بالعزف على المظلومية تارة والتحريض المباشر ضدّ الدول المقاطعة لقطر تارة أخرى. نجدهم يردّدون ما تقوله إيران، ولكن مع أخذ الاختلاف المذهبي بالاعتبار، فكما أن طهران تقدّم نفسها الدولة الإسلامية الوحيدة الملتزمة بتعاليم الدين والمناصرة للمستضعَفين، فالإخوان المسلمون أيضا أطلقوا على قطر الدولة العربية والإسلامية الوحيدة المناصرة للشعوب المظلومة،
وذهب بعضهم أبعد من ذلك ليزعم أن «الحكومة القطرية هي الوحيدة الحاملة لراية التوحيد، ويتهمها خصومها بذلك، وهذا فخر».
بالعودة إلى موضوع مستقبل مجلس التعاون في ظل المشروعين الإخواني والإيراني، فمن المؤكد أن التنظيمين كليهما يسعيان لهدم هذا المجلس، ومن أهدافهما الشيطانية إشعال الحرائق في داخل دوله، كما أن اصطفافهما اليوم خلف الحكومة القطرية ليس إلا لتحقيق تلك الأهداف، وجعل قطر «حصان طروادة» لمشاريعهما السياسية.
ويبدو بالفعل أن الدوحة قد سقطت في هذا الفخ مبكرا وأصبحت تدعم المشروع الإيراني وتتقرب إلى طهران بشكل ملحوظ، كما أنها أصبحت المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين، وسخرت كافة إمكاناتها لصالح التنظيم.
الأهم أن قطر لن تكون بمأمن إطلاقا عن خطر هذين التنظيمين، وسيحوّلانها إلى مسرح لعملياتهما ولعبة في أيديهما بعد أن يتم تمكينهما، وحينها لن تستطيع قطر مطلقا محاصرتهما أو التخلّص من شرورهما، وسيكون الشعب القطري هو المتضرر الأول من ذلك، ولعقود قادمة.