كنا في البنوك لم نترك لهم شاردة ولا واردة إلا قلناها عنهم، وكأننا لا نرى رحمة البنوك بنا، بل نقول لعله سلط علينا بذنوبنا «حتى تحيل البنوك حياتنا إلى جحيم إلى أن اكتشفت البلايا والرزايا».
إنهم بيننا ومنا وفينا ممن يأكلون معنا يشتمون البنوك، هم في مجالسنا واستراحاتنا لبسهم لبسنا وأكلهم أكلنا حتى بيوتهم مثلنا في مهن مختلفة فيهم الملتحي وفيهم الأمرد وفيهم المثقف وفيهم العامي، لكنهم متحالفون مع بعضهم لينقضوا على المواطنين المساكين الذين رحمهم البنك ولم يتجاوز في نسبته حدود معيشتهم ولا نسب الدولة في الربح لهم، نظام محدد مراقب لا يتغير إلا بموافقة الدولة يقتطعون من الراتب دون أن تشعر بالذل والمهانة!
*من هم هؤلاء ومن سلطهم على المواطنين، ومن قال لهم إن هذه هي التجارة؟
بالأمس تعرفت إليهم عن قرب! هم من يبيعون بطاقات الشحن في المكاتب العقارية، وينهبون خلق الله بداعي الحلال والتجارة، كنت أرى انتشار هذه المكاتب في جميع مدن المملكة وأقارن بينها وبين حجم العقار وبين عدد العاملين فيها، وأتعجب من أين لهم مداخيل يشغلون بها مكاتبهم إذا كانت نسبتهم من إيجارات العقار قليلة؟!
لقد تعمقت في مشكلة إحدى الأخوات التي صارت تحت رحمة هذه المكاتب وتسحبها رمالها حتى أغرقتها في الديون.. لا أحد يقول تجارة ولا يقول ما أحد غصبها! ألا غصبتها الحاجة لمن لا يعرف الحاجة هي تلك التي تقودك إلى أن يقال في لحظة ما «إما أن تدفع أو تدخل السجن» فتلجأ لسداد الدين بالدين حتى تغرق..
البنوك لا تفعل ذلك، ولكن المكاتب تفعلها! والمشكلة ليست في التجارة ولا البيع، بل في نسب الربح التي ابتلعت حقوق الناس.
التجارة ليست بهذه الطريقة، لن أقول ربا، لكنه يشبه الربا، ولن أقول سرقة، لكنه يشبه السرقة، ولا أقول أكل أموال الناس بالباطل، لكنه يشبه أكل أموال الناس بالباطل.
تخيلوا أن يكون الربح 100 %، ما هذا الجنون والفحش؟ ما هذا الاصطياد للمساكين والمحتاجين؟
*من يفعل ذلك بإخوانه وينام قرير العين.. لا أحد يطلب الدين إلا محتاج مضطر ما هذه التجارة المؤلمة؟
البنوك التجارية لم تفعلها! ثم يأتي تحالف من مواطنين أعماهم الطمع ويفعلونها! نقول اربحوا، ولكن ليس بهذه الطريقة، ولا بهذا الهامش من الربح ودون ضمانات بالتسديد المبكر.
تخيلوا معي «أخذت 55 ألفا والدين مئة ألف تقريبا الربح 100%، ثم بعد فترة بسيطة قالت أسددكم 50 ألفا مع الأقساط المسددة مسبقاً حوالي 15 ألفا، لكنهم رفضوا».
لقد رفضوا مبلغ 65 ألف ريال يريدون 70 مقابل التسديد المبكر أو 100 ألف أقساط.
ما هذا الظلم والإجحاف؟.. ويشهدون الله على العقد!.
العجيب في الأمر لما أعلن عن سداد المديونات للمساجين، تبادر إلى ذهني من سيدفع لهؤلاء المعسرين إذا كان التجار هم السبب في ديونهم، هل سيدفع التجار لأنفسهم!
أيها التجار: حاجات الناس ليست تجارة، وكسبكم المشروع هذا بلا ضوابط ولا تنظيم، وبلا حسيب ولا رقيب..
الديون تنتشر بلا ضوابط والرمال المتحركة تبتلع الناس..
يجب مراجعة نظامية عمل هذه المكاتب وصياغة عقودها بوضوح وكتابة المبلغ المقرض والمبلغ الذي سيكون على ذمة العميل بالكامل وكتابة نسبة الربح وهامش التسديد المبكر وكل ما يكفل حق المواطن..
أين دور وزارة التجارة من هذه الممارسات المؤلمة؟ وأين دور وزارة العدل التي تصدر الأحكام ضد هؤلاء المديونين.. أليس ذلك من بيوع الغبن؟
ماذا عسى أن أقول: لك الله يا صديقتي.. لا أجيد السباحة في الماء، فكيف أعلمك ألا تغرقي في الرمال، لعل هناك طارقا يطرق بخير فينقذك وينقذ أسرتك..يا رب كن لها..
تباً لكم ولتجارتكم في رمضان المبارك.