المعارضة السياسية لها أسباب وأشكال كثيرة، فمنها المعارضة التي تنطلق من دوافع سلوكية قائمة على التمرد، أو التذمر الشخصي، أو البحث عن دور البطولة، أو حتى لأسباب ندرة فرص العمل المناسبة، وغير ذلك من دوافع وأشكال.
المفارقة أن غالبية أشكال المعارضة تتبنى قيما ومبادئ أبعد ما تكون عن الاحتياجات التنموية الأساسية للإنسان، وهي تلك التي تقوم على محور ضمان أمنه واستقراره وحياته الكريمة، حتى لو كان ذلك من خلال أنظمة شمولية تتفهم شعوبها، وتقدم لهم تلك الاحتياجات، وقد أثبتت الجمهوريات العربية فشلها في تحقيق تلك التطلعات، رغم ما تبنته من أيديولوجيات تدعي التقدمية والتنوير، دون أن تفهم الفروقات الثقافية بين الغرب والشرق، ودون مراعاة تلك الاحتياجات الأساسية. بل تحولت تلك الأنظمة التي تتبنى الشكل الديمقراطي إلى أنظمة شمولية، صنعت مزيدا من التفرقة الاجتماعية، ورسخت للتحزبات المعادية لبعضها بعضا، حدا يصل إلى العنف، وذلك رغما عن الثروات الريعية الكبيرة التي تملكها، ولم تنعم بها تلك الشعوب.
أفضل أشكال المعارضة هي التي تعمل من خلال منظومة وثوابت الدولة والمجتمع، والتي تعمل على إصلاحه من الداخل، فنظام الدولة ليس مجرد حاكم، بل هو مجموعة مترابطة من المؤسسات والقوى النافذة والقيم الراسخة،
وقد ثبت أن مشاركة الإنسان في بناء وطنه وعلاج مشكلاته من الداخل، أنجع من مطالب إسقاط النظام والتغيير التعسفي للثوابت والقفز الأعمى في الهواء.
الوصول إلى هذا الوعي، قد يتطلب مرحلة عمرية من النضج، وقد استطاع كثير من التحزبات من تجنيد واستقطاب المراهقين، حتى في أعمال الإرهاب، وذلك استغلالا للشعور بالفراغ والتهميش، وما فعلته مرحلة الصحوة بكل قضها وقضيضها في ذلك الاستقطا،ب إلا لأسباب متعددة، منها التراجع النسبي في الفرص التنموية مقارنة بالجيل السابق، وما إن عادت التنمية إلى حيوتها في مرحلة الملك عبدالله -رحمه الله- حتى اتّجه الشباب إلى المشاركة في بناء الدولة واستثمار فرص التعليم، وتهافت الشباب على الابتعاث الخارجي، والذي كان محاربا من تلك التحزبات.
الشعور بالفراغ والرغبة في إثبات الذات، قد يتسببا في وقوع بعض الشباب في تلك الحالة من التذمر، فيضل ويصبح فريسة لأيديولوجيات عبثية لا تخدم الدولة والمجتمع، فالهدف الفعلي قد لا يكون الدفاع عن الفقراء والمظلومين، ولا حتى الرغبة في تحسين الوضع الاقتصادي، ولا حتى الادعاء المضلل بتطبيق الشريعة، ولكنها قد تكون حالة نفسية يسيطر عليها التذمر والرغبة في البطولة والشعور بالندية، حتى لو كان ذلك بمحاربة طواحين الهواء، وغالبا ما نجد أن التجربة الشخصية مع العائلة أو المجتمع تلعب دورا أساسيا في تشكيل هذه الشخصية المتمردة، فتضل عبر تبني قيم لا تحترم ثوابت هذه الدولة الراسخة في إسلامها وعروبتها ونبلها.
الاعتراض حق إنساني، وقد يكون بمنطلقات نبيلة، ولكن غياب الحكمة والنضج قد يكون سببا في عدم القدرة على فهم التعقيدات الكبيرة في النظام السياسي والاجتماعي، وعدم القدرة على استشراف المخاطر المحتملة من هذه المواقف الشخصية.
لقد رأينا أشكالا من المعارضة العبثية لهذه الدولة العظيمة، من معارضي لندن على وجه الخصوص، ممن قدّموا أقبح الصور للاعتراض القائم على الكذب والاحتيال والجريمة والفجور في الخصومة، وقد شاهدنا فئات تتغطى بقيم العدالة والمساواة والحرية، تحت مسمى النشاط الحقوقي، وذلك لتحقيق أهداف مذهبية أصولية يوالي بعضها لعدو خارجي، ولا تهدف إلا إلى حالة اللا دولة، وقد رأينا أيضا بعض الأصوات الشريفة التي تطالب بكل صدق بتلك القيم النبيلة لإصلاح المجتمع، ولكن لم ينجح إلا من كان يعمل من خلال منظومة الدولة، خاصة ونحن في دولة تستجيب للمتغيرات وتتعامل برحمة مع كثير من أشكال المعارضة، وهي دولة تعمل على تحقيق تطلعات شعبها، وقد حققت إنجازات تنموية سابقة لزمنها، مقارنة بمعطياتها وتفوقت على كثير من أقرانها ممن يملكون أقل أو أكثر من ثرواتها الريعية.
لقد جاءت رؤية 2030 بمثابة ما يشبه الحلم السعودي، وجعلت للدولة والمجتمع أهدافا معلنة تستحق التضافر الاجتماعي للإسهام في إنجازها، ويظل خيار المشاركة في بناء المجتمع والثقة في الدولة، والبحث عن فرص هذه المشاركة في مجالات الأعمال المختلفة، هو البديل الأساسي لهذا الشعور العبثي بالفراغ، وبأن نستمر في معالجة مشكلاتنا التنموية والاجتماعية من خلال الثوابت والقيم التي تتبناها الدولة، فنحن في مجتمع حيوي يتجه إلى مستقبل أكثر ازدهارا.