يمكن لمن يعيش المرحلة اليوم أن يكون متأكدا من أنه يشهد ولادة الدولة السعودية الحديثة، ولكن قبل أن نتحدث عن الحاضر لا بد من أن وقفة مع التاريخ البعيد من انطلاقة الدولة الأولى والثانية والثالثة، ونسأل: ما أهم ملامح الحكم السعودي الذي يستمر في كل مرحلة أقوى مما كان في سابقتها؟
ولدت الدولة الأولى في ظروف سياسية واقتصادية خانقة، وللتوضيح كانت شبه الجزيرة العربية ترزح تحت الخلافة العثمانية التي تصادمت تاريخا مع تأسيس الدولة الأولى لاستعادة السيطرة التي كانت لها على شبه الجزيرة؛ الرغبة بالتحول لحياة أفضل بعد عقود تجاهل غرقت معظم مساحات شبه الجزيرة في الفقر والجهل إلا مناطق محدودة أو ربما بيوت في بعض المدن أو القرى بقي وعي أهلها حاضرا، وبقيت مشاعل للعلم والمعرفة في ظلمة التاريخ.
حين يبحث الأعداء عن مثالب يعيبونها علينا، أو حين يزعمون أن الخلافة كانت مرحلة عظيمة فالواقع يناقض ذلك، بل مع سقوط الحضارة العباسية غرقت الأوطان تحت حكم الأعاجم في مراحل جهل أو تجهيل متعمد أو غير متعمد، وتعاظمت القوة العسكرية وتراجع ما عداها.
تاق إنسان هذه الأرض لأن يصنع قدره، فكانت الدولة الأولى وانتهت أو أنهيت بأكبر قوة عسكرية وعادت الثانية وقبل قرن بدأت الدولة الثالثة.
نظرة شاملة للحكم السعودي تكشف أن سر استمراره قوة وشجاعة رجالة وثقة الناس في مدنهم بعدالة الحكم السعودي، حتى إن كثيرا من المدن صالحت في كل مرحلة دون حرب، وحدث هذا مع الموحد الملك عبدالعزيز، فكثير من المدن رحبت به دون حرب.
المشهد الذي لفت الأنظار في سلام صاحب السمو الملكي الأمير الشاب محمد بن سلمان على سلفه صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف يختصر الكثير من أسرار استمرار الدولة السعودية، حب متبادل واحترام وتوقير يتجاوز المناصب.
في حب الوطن سر ورثناه أبا عن جد وهو أن أمن هذا الوطن هو أثمن ما نملك، وأن هذا الأمن لم يحدث عبر تاريخنا المكتوب كما حدث في حكم آل سعود. عودة للتاريخ القريب وفي العقد الأخير بداية بمرحلة الملك عبدالله -طيب الله ثراه- وحتى تولي الملك سلمان ولليوم نجد مرحلتين مهمتين جدا، الأولى الوعي بأهمية التحولات السياسية والثقافية والاجتماعية في المنطقة نقلت المملكة لمقدمة الدول المؤثرة في العالم سياسيا واقتصاديا، وكان لا بد من توجيه الشباب لتولي المرحلة القادمة التي بدأت بالرؤية التي أطلقها أمير الشباب الأمير محمد بن سلمان.
كنا نحتاج للحكمة وطال التعامل بها ولا يزال مع الكثير من ملفات المنطقة، ثم أكرهنا على القوة فأثبتت المملكة أنها في حروبها أكثر إنسانية من أعدائها، حتى لم يجد العربي وطنا أرحب منها، لا يعد العربي القادم من شمالها أو جنوبها إلا مواطنا تفتح له مدارسها وتستقبله في ميادين أعمالها.
يظنون أن هذا الوطن مجرد صحراء قاحلة وأن من فيها من الشباب لا يدركون واجبهم، فيدهش الأعداء أن أبناء هذه الأرض يتقدمون الصفوف شجاعة، ويبزون غيرهم علما ووعيا، وكأن هذه الأرض أبقيت وعيها حاضرا طوال التاريخ.
المملكة اليوم تفتح بوابة المستقبل وتعيد توحيد الوطن على الحب والولاء للأرض التي تنام قريرة العين وشبابها يسهرون عليها ويوجهون رسائلهم من الحدود مع الشر والعدوان، يطلبون منا أن نطمئن ويقدمون أرواحهم فداء للأرض كما فعل الأجداد.
يعرف الحسب الذي يذكر مرافقا للنسب بأنه الأمجاد التي يعددها الإنسان أو القبيلة ويتفاخر بها، وحسب هذا الوطن رجاله الذين يحملون ملامح واحدة للحب والفداء وهم واقفون على الجبال، أو بينما هم محلقون في السماء، أو مواجهون للإرهاب بكل أشكاله.
المرحلة القادمة بدأت بموجهات سياسية مهمة، وبكشف أوراق الكثير من المتاجرين بملفات الوطن الذين يحاولون تزييف تاريخنا أو اختطاف شبابنا، وهذا مؤشر قوة المواجهة الشابة التي أعادت المرجفين لصفوف المتفرجين بعد أن كانت لهم صولات وجولات.
الشباب قوة هذا الوطن الشاب الذي يعد من أكثر أوطان العالم شبابا، والشباب اليوم يتسلم أدواره كما ظهر في الأوامر الملكية الأخيرة.
هل كنت أعني بالشباب الذكور فقط؟ بالتأكيد لا، فالمرأة السعودية شقيقة الرجل كل يوم يسطر في سجل الشرف اسم لفتاة شابة أو سيدة عظيمة تقدم نفسها نموذجا وقدوة لبنات جنسها، وأكثر النساء تأثيرا هن من ربين أبطالنا في كل ميدان.
النقلة التي نعيشها اليوم والتي ستأخذنا للمستقبل نقلة تسن فيها قوانين وتعدل أخرى وتعاد فيه الحقوق، وتجد المرأة والرجل أنفسهم أمام أمن ثقافي وحقوقي وفكري بقيادة الملك وولي عهده وعزائم الشباب.
ختاما، أتمنى من الله التوفيق والسداد لملكنا سلمان بن عبدالعزيز، ولولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولكل الشباب الذين لحقوا بركب خدمة الوطن، وهذا تجديد عهد الآباء والأجداد لكم، إننا معكم في الضراء قبل السراء مدافعين عن هذا الوطن بكل ما نملك.