خلال فترة الحرب العراقية الإيرانية، وفي 7 مايو عام 1984 تحديدا، قامت إيران باستهداف ناقلة نفط سعودية في الخليج العربي، وكردّ فعل سعودي على استهداف ناقلة النفط، قامت الحكومة السعودية بإجراء دفاعي عن طريق إنشاء منطقة اعتراض جوي خارج المياه الإقليمية السعودية في الخليج العربي، سُميت بـ«خط فهد»، وأكدت الرياض أن أي طائرات إيرانية تقوم بتجاوز هذا الخط، سيتم اسقاطها مباشرة دون أي تحذير أو إنذار مسبق.

بعد هذه الحادثة بأشهر، قامت القوات الجوية الإيرانية عن طريق 4 طائرات من نوع إف-4 فانتوم، باختراق المجال الجوي السعودي، وقامت القوات الجوية السعودية بالتصدي للاختراق الإيراني بطائرتين من طراز إف-15، واستطاعت إسقاط طائرتين إيرانيتين وإصابة ثالثة.

بعد ذلك، احترمت إيران «خط فهد» بشكل كامل، ولم تحاول أن تتجاوزه طوال العقدين الأخيرين، حتى قبل سنة ونصف السنة تقريبا، عندما حاولت طائرة مدنية إيرانية الهبوط عنوة في مطار صنعاء، ثم أعقبت ذلك بمحاولة إدخال سفينة قالت إنها تحمل مواد إغاثية في ميناء الحديدة، وفي المرتين تصدت المقاتلات السعودية للطائرة والقوات البحرية للسفينة، وردتهما بعدما لوّحت لهما بالقوة، وقامت بإبلاغ إيران أن «خط فهد» ما يزال قائما، بل امتد حتى اليمن، وأن المملكة لن تتردد في التصدي لها إن حاولت تجاوزه.

وقبل أيام، حاولت 3 زوارق إيرانية مسلّحة استهداف منصات حقل «المرجان» البترولي في مياه الخليج العربي بعمل تخريبي، فتعامل معها حرس الحدود السعودي بما يقتضيه الموقف، إذ تم مقتل قائد أحد هذه الزوارق.

السعودية أصدرت بيانا رسميا، أكدت فيه نجاحها في احتجاز أحد هذه الزوارق، وعلى متنه 3 أشخاص، بينما لاذ زورقان بالفرار.

قبل البيان السعودي، تحدثت وسائل إعلام إيرانية عن الحادثة، وقالت إن أحد مواطنيها لقي حتفه بعد أن أطلق حرس الحدود السعودي النار على قوارب إيرانية، ولكنها تحدثت عن قاربين فقط، وادعت أنها قوارب صيد ربما جرفتها المياه نحو المياه الإقليمية السعودية.

هذه الرواية لا يمكن تصديقها مطلقا لعدة أسباب، منها أن زورق الصيد لا يحتاج إلى أن يكون مسلحا، والبيان السعودي أكد على أن الزورق الذي تم احتجازه كان محملا بالأسلحة.

أيضا، المياه قد تجرف قاربا تقليدا وليس زورقا سريعا، حتى وإن حدث ذلك، فإن جرف المياه لـ3 زوارق جميعها مسلحة مستبعد تماما، ويؤكد أن مهمة هذه الزوارق كانت تخريبية في المقام الأول.

من شبه المؤكد، أن هذه الزوارق مرتبطة بعناصر الحرس الثوري الإيراني، وكانت تخطط لعملية كبرى ضد الموقع النفطي السعودي، وكما أن إيران استغلت فترة الأزمة الخليجية للتصعيد في سورية، خلال إطلاق صواريخ من منطقة كرمانشاه تجاه مناطق في العمق السوري، فإنها أيضا ربما تكون حاولت مباغتة السعودية عبر استهداف المنصة النفطية في مياه الخليج العربي، خاصة أن قيادات الحرس الثوري الإيراني، وشخصيات مقربة من خامنئي، وجّهت تهديدات مباشرة للسعودية بعد العملية المسلحة التي استهدفت ضريح الخميني والبرلمان الإيراني قبل أسبوعين، رغم تبنى تنظيم داعش الإرهابي العملية.

في المسار الاقتصادي، ربما تسعى طهران إلى إحداث ربكة في السوق النفطية العالمية، والتأثير على الناتج السعودي من النفط، بهدف الحصول على حصة أكبر من الأسواق العالمية، خاصة أن إيران تعمل على زيادة إنتاجها من النفط، ولن تستفيد إيران من هذه الزيادة إلا إذا تقهقر الناتج اليومي السعودي.

في هذا الإطار أيضا، من المعلوم أن حقل المرجان حقل نفطي مشترك بين السعودية وإيران، ولأن البنية التحتية النفطية الإيرانية ضعيفة جدا، مقارنة بنظيرتها السعودية، فمن غير المستبعد أن تكون إيران أرادت إبطاء الإنتاج النفطي السعودي من هذا الحقل إلى حين تطوير بنيتها التحتية التي تعمل عليها بشكل متسارع هذه الأيام.

عموما، تعودنا أن إيران لا تبحث في غالب الأحيان عن أسباب أو تحقيق أهداف في عملياتها الإرهابية المتكررة، سوى نشر الفوضى والدمار، وبغض النظر عن ذلك فقد تم إفشال هذه المحاولة بفضل الله، ثم يقظة أبطالنا البواسل في قوات حرس الحدود.

إن رحل الملك فهد بن عبدالعزيز -يرحمه الله- فإن خطّه باقٍ، وأي محاولات لاختراق هذا الخط سيكون الرد قاسيا وحازما، فلا تهاون مطلقا مع التعدي على سيادة الأراضي السعودية، برّا كانت أو جوّا أو بحرا.

ومن المهم، أن تدرك طهران أن السعودية جادة في التصدي لأي مغامرات إيرانية، مهما كان حجمها أو أدواتها. ولو نجحت الزوارق الإيرانية في تحقيق أهدافها والوصول إلى المنصة النفطية، فإن ذلك ربما يقود إلى حرب مباشرة بين الجانبين، ستكون انعكاساتها خطيرة على المنطقة، وعلى النظام الإيراني إعادة النظر بجدية في المغامرات اللا محسوبة التي يقوم بها عبر الحرس الثوري والميليشيات التابعة له.