تقترب معركة استعادة الحكومة العراقية لمدينة الموصل من تنظيم داعش من نهاياتها، بعد معارك ضارية شملت عدة محافظات بين الطرفين، وشاركت فيها ميليشيات الحشد الشعبي وقوات البشمركة الكردية. وتدور المعارك الآن في الموصل القديمة، وهو الحي الأخير المتبقي بيد داعش من هذه المدينة العريقة.

بعد حسم هذه المعركة، يكون تنظيم داعش قد أجهز على «دولته» في العراق. ووضعه في سورية ليس أفضل شأنا بعد تلقيه ضربات موجعة من قبل القوات الحكومية وقوات الحلفاء على السواء. وسيعود التنظيم إلى سابق عهده في كلا البلدين، من حيث عدم وجود قواعد آمنة يحتمي بها، وتكون مناطق انطلاقه لشن عملياته الإرهابية بالمناطق الأخرى.

سيجري بالأيام القادمة تكثيف العمليات الانتحارية بالمتفجرات والسيارات المفخخة والأحزمة الناسفة. وليس من المستبعد أن يعمل داعش بعد فقدانه دولته في العراق وسورية إلى الانتشار في مجموعة صغيرة بالدول المجاورة، وليواصل شن عملياته الإرهابية في محاولة لإثبات حضوره.

إن ذلك يفرض على دول الخليج العربي والمملكة التحسب أكثر لأية احتمالات، خاصة وأن التنظيم المذكور قد هدد مؤخرا بمعاودة تنفيذ عملياته التخريبية بالمملكة. ولن يكون من المستبعد أن يشمل ذلك بلدانا أخرى بالوطن العربي وخارجه، وبالقارة الأوروبية. ذلك أن انهماك داعش بالسنتين الماضيتين بإحكام السيطرة وإدارة الحكم في الأراضي التي تمكن من احتلالها في العراق والشام، قد جعله يقلص عملياته خارج تلك المناطق.

أما وأنه بات حرا من تلك المسؤوليات، فإن المرجح أن يتفرغ منذ الآن لشن عملياته بأسلوب حرب العصابات. إن ذلك سيعيد للتنظيم بعض التوازن بعد الضربات الماحقة التي تلقاها.

إن ذلك يفرض على المجتمع الدولي، الاستمرار في تضييق الخناق على داعش، أينما وجد، بحيث تتم محاصرته، وعدم تمكينه من تحقيق استراتيجيته الجديدة.

من جهة أخرى، يتوقع أن يؤدي انتهاء المعارك الرئيسية بالعراق، إلى مواجهة الحكومة المركزية لعدة مشاكل كبرى.

أولاها أن التضامن الذي حدث أثناء خوض المعارك، ضد داعش، بين الأكراد والحكومة المركزية، سيصل إلى نهاياته. فالأكراد جاهزون لإجراء استفتاء عام في المناطق الكردية على الانفصال النهائي عن العراق. وذلك أمر لا يقبل به العراقيون. لكن الحكومة المركزية ليس بوسعها منع هذا الانفصال بالقوة.

فالجيش العراقي الذي تشكل بعد الاحتلال الأميركي للبلاد لم يؤسس على قاعدة خوض معارك وطنية. وكان ذلك واضحا من خلال تصريحات قادة الاحتلال، بل كان الهدف من تأسيسه احتفائيا وشكليا. ولم يكن بمقدور هذا الجيش استعادة المحافظات الأربع التي احتلها داعش «الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى»، لولا مشاركة القوات الكردية وميليشيات الحشد الشعبي ومساندة القوة الجوية الأميركية.

تصريحات المسؤول الكردي هوشار زيباري بأن الاستفتاء لا يعني الانفصال بل هو ورقة ضغط على الحكومة المركزية لتقديم مزيد من التنازلات في المفاوضات التي ستعقب هزيمة داعش لا يبعث على الإطمئنان. فالأكراد يطالبون بضم كركوك والموصل إلى إقليم كردستان. وذلك يهدد بتمدد الإقليم ويجعل الكرد في موقع أفضل حال انفصالهم عن العراق. وسيكون بمقدورهم احتكار الإنتاج النفطي من الآبار المتواجدة في كركوك.

ولن يكون مستبعدا في حال انفصال الإقليم عن المركز أن يتم طرد العراقيين من منازلهم في الموصل وتهجيرهم إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المركزية.

لقد وقفت تركيا وإيران باستمرار ضد انفصال المنطقة الكردية من العراق، لكنهما لم تمانعا من قيام إقليم شبه مستقل في شمال العراق لا يصل حد الاستقلال التام، لأن ذلك ربما يمهد لمطالبات مماثلة من قبل الأكراد الذين يقاتلون الحكومة التركية لأكثر من ثلاثة عقود بقيادة حزب العمال الكردستاني. والإيرانيون رغم علاقتهم الجيدة بالراحل جلال الطالباني وبورثته، لكنهم يرون أن قيام دولة كردية في غرب إيران سيشكل تهديدا مباشرا لأمنهم الوطني، وسيسهم في تصعيد النزعات القومية لدى الأكراد الإيرانيين الذين سيرون في قيام دولة كردية مستقلة لأشقائهم الكرد بالعراق محرضا للمطالبة بدولة مماثلة لهم في إيران، أو العمل على أن يكونوا جزءا من الدولة الكردية المستقلة المرتقبة التي ستقام على أرض العراق.

الرئيس التركي إردوغان لن يكون بإمكانه الآن التعويل على حلفائه بالغرب، وبشكل خاص الولايات المتحدة الأميركية. فعلاقته بهم تمر بمشاكل عدة. والأميركيون أنعشوا النزعات القومية لدى أكراد سورية، ومكنوهم من الاستيلاء على عدة محافظات سورية لا تتسق مع نسبة حضورهم نكاية بحكومة إردوغان. ولا يتوقع أن تتخذ حكومة الرئيس الأميركي ترمب موقفا معارضا من انفصال الأكراد عن الحكومة العراقية، بل ربما اتخذت من ذلك ورقة ضغط على حكومة العبادي للنأي عن حكومة طهران.

ومن جهة أخرى، ستجد الحكومة العراقية نفسها وجها لوجه أمام الحشد الشعبي بعد الانتهاء من مواجهة داعش. كيف سيتم التعامل معه. هل سيجري حله؟ أم سيتم دمجه بالجيش العراقي؟ وفي كلتا الحالتين سيشكل ذلك معضلة حقيقية للحكومة العراقية. فقادة الحشد الشعبي الذين قاتلوا على كل الجبهات في جميع المعارك التي خاضتها الحكومة المركزية ضد داعش باتوا يقتربون من موسم الحصاد، حيث يتوقعون أن وقت دفع الاستحقاقات قد حان. وهي استحقاقات سياسية لا أحد يعلم كيف ستتعامل معها حكومة العبادي.

من جهة أخرى، يشعر العراقيون بالغضب جراء فشل الحكومات العراقية المتعاقبة التي تسلمت السلطة بعد الاحتلال، في عملية إعادة الإعمار، وتوفير الخدمات الأساسية من سكن وصحة وتعليم، وتوفير مختلف الخدمات والقضاء على البطالة. وستواجه الحكومة العراقية تصاعد المطالبات الشعبية بهذه الاستحقاقات، وبالقضاء على الفساد المستشري في البلاد، والذي يستدعي القضاء عليه إبعاد رؤوس كبيرة من داخل السلطة. وهي أمور نجزم أن حكومة العبادي ليس في مقدورها مواجهتها، بما يعني أن مستقبل العراق هو في مهب الريح.